فأمّا العقاب فهي ، منها ، عقوبة |
|
وأمّا الغراب فالغريب ، المطوّح |
وقول سوّار بن المضرّب (١) :
فكان البان أن بانت سليمى |
|
وفي الغرب اغتراب ، غير داني |
وقول الشّنفرى (٢) :
فقال : غراب لاغتراب من النّوى |
|
وبالبان بين ، من حبيب ، تعاشره |
وقول الآخر (٣) :
دعا صرد يوما على غصن شوحط |
|
فطار بذات البين منّي غرابها |
فقلت : أتصريد وشحط وغربة؟ |
|
فهذا لعمري نأيها واغترابها |
فليس باشتقاق صحيح. بل أخذ «حمّ» من «الحمام» على جهة التفاؤل ، و «البينونة» من «البان» ، و «الاغتراب» من «الغرب» ، و «التّصريد» و «الشّحط» من «الصّرد» و «الشّوحط» و «العقوبة» من «العقاب» ، على جهة التطيّر. وإلّا فهذه المعاني ليست بموجودة في هذه الاشياء ، كما أنّ «الاغتراب» موجود في «غراب» و «الجرد» في «جرادة». ومما يبيّن لك أنّ العرب قد توقع على الشيء لفظ غيره ، إذا كان بينهما مناسبة ، من طريق ما وإن لم يتحّد المعنى ، قول بعض الفصحاء (٤) :
شهدت بأنّ التّمر بالزّبد طيّب |
|
وأنّ الحبارى خالة الكروان |
فجعل «الحبارى» خالة «الكروان» ، لمّا كان اللون ، وعمود الصورة ، فيهما واحدا. ورأى ذلك قرابة ، وإن كان الحبارى أعظم بدنا من الكروان. ومنه قول عمرو بن معديكرب (٥).
وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك ، إلّا الفرقدان |
فجعل الفرقدين أخوين ، تشبيها لهما بالأخوين ، لتلازمهما. ومنه قول أبي النجم :
فظلّ يوفي الأكم ابن خالها
فجعل الوحشيّ ابن خال الأكم ، لملازمته لها. وقال عليه السّلام ، «نعم العمّة لكم النّخلة». فجعلها عمّة للناس ، حين كان بينها وبينهم تشابه ، من وجوه.
وإنّما بسطت في الاشتقاق ، لغموضه ، وكثرة المنفعة به في علمه. لما فيه من
__________________
(١) البيت مع بيت آخر في الحيوان ٣ / ٤٤٠ ـ ٤٤١.
(٢) من أبيات تنسب إلى كثيّر عزّة وإلى شاعر سهميّ.
راجع : الممتع في التصريف ص ٥٠ (الحاشية).
(٣) البيتان بلا نسبة في الحيوان ٢ / ١٦٨.
(٤) البيت بلا نسبة في الحيوان ٦ / ٣٧٢ ؛ ومحاضرات الأدباء ٢ / ٢٩٩.
(٥) ديوانه ص ١٧٨.