على ذلك أنّ حروف ال «فعل» أصول ، فجعلوها لذلك في مقابلة الأصول.
فإن قيل : فهلّا كنوا عن الأصول بغير ذلك من الألفاظ التي حروفها أصول ، كـ «ضرب» مثلا ؛ ألا ترى أنّ الضاد والراء والباء أصول؟ فالجواب أنّهم لمّا أرادوا أن يكنوا عن الأصول ، كنوا بما من عادة العرب أن تكني به ، وهو «الفعل» ؛ ألا ترى أنّ القائل يقول لك : هل ضربت زيدا؟ فتقول : فعلت. وتكني بقولك «فعلت» عن الضرب.
وزعم أهل الكوفة أنّ نهاية الأصول ثلاثة ، فجعلوا الراء من «جعفر» زائدة ، والجيم واللّام من «سفرجل» زائدتين. وجعلوا وزن «جعفر» من الفعل «فعللّا» ، ووزن «سفرجل» : «فعلّلّا» كما فعلناه نحن. وأمّا الكسائيّ منهم فجعل الزيادة من «جعفر» وأشباهه ما قبل الآخر. وكان الذي حملهم على ذلك أن رأوا المثال يلزم ذلك فيه ؛ ألا ترى أنّ إحدى اللّامين من «فعلل» زائدة. وكذلك «فعلّل» اللّامان من هذه الثلاثة زائدتان. هكذا قياس كل مضعّف. أعني أن يحكم على أحد المثلين ، أو الأمثال ، بالأصالة ، وعلى ما عداه بالزيادة. فلمّا رأى ذلك لازما في المثال قضى على الممثّل بمثل ما يلزم في المثال.
وذلك فاسد من وجهين :
أحدهما أنّه لا يحكم بزيادة حرف إلّا بدليل من الأدلّة المتقدّمة الذكر ، أعني الاشتقاق والتصريف وأخواتهما (١). ولا شيء من ذلك موجود في «جعفر» ، ولا «سفرجل». فالقضاء بالزيادة فيهما تحكّم محض.
والآخر أنّ قياس المثال أن يبقى الزائد فيه بلفظه ، إذا لم يكن من لفظ الأصل. فكان ينبغي أن يجعل وزن «جعفر» من الفعل ـ على هذا ـ : «فعلر» ، عند من يجعل الآخر زائدا ، و «فعفل» عند من يجعل الزائد ما قبل الآخر ، وأن يجعل وزن «سفرجل» :«فعلجل» أو «فعرجل».
ومن أهل الكوفة من ذهب إلى ما ذكرناه من أنّ الأصول ثلاثة ، إلّا أنّه وزن ما عدا الأصول بلفظه ، فجعل وزن «جعفر» : «فعلر» ، و «سفرجل» : «فعلجل».
ومنهم من قضى بزيادة ما عدا الثلاثة ، إلّا أنّه لا يزن. فإن قيل له : ما وزن «جعفر» و «فرزدق»؟ قال : لا أدري! وكلّ ذلك باطل ، لما ذكرناه ، من أنّه لا ينبغي أن يقضى على حرف بزيادة ، إلّا بدليل. فالصحيح في النظر ، والجاري في تمثيل الكلمة بالفعل ، ما ذهب إليه أهل البصرة» (٢).
الميم الأصليّة
هي ، في الاصطلاح ، الميم الداخلة في
__________________
(١) راجع مادّة حروف الزّيادة.
(٢) الممتع في التصريف ٣٠٨ ـ ٣١٣.