واحدة ، ليخفّ النطق بهما.
فهذا الباب إذا ينقسم قسمين : إدغام المثلين ، وإدغام المتقاربين.
ذكر إدغام المثلين
اعلم أنّ كلّ مثلين قد يدغمان إلّا الألفين والهمزتين. أمّا الألف فلم يمكن الإدغام فيها ، لأنّه لا يدغم إلّا في متحرك والألف لا تتحرك. وأمّا الهمزة فثقيلة جدا ، ولذلك يخفّفها أهل التخفيف منفردة. فإذا انضمّ إليها غيرها ازداد الثقل ، فألزمت إحداهما البدل ، فيزول اجتماع المثلين فلا يدغم إلا أن تكونا عينين نحو : «سأّل» و «رأّس» فإنك تدغم ولا تبدل ، لما ذكرناه من أنك لو أبدلت إحداهما لاختلفت العينان ، والعينان أبدا في كلام العرب لا يكونان إلا مثلين. وقد يجوز الإدغام في الهمزتين على ما حكي عن ابن أبي إسحاق (١) وناس معه ، من أنّهم كانوا يحققّون الهمزتين ، إذا كانتا في كلمتين نحو : «قرأ أبوك» لأنه يجتمع لهم مثلان وقد تكلّمت العرب بذلك وهو رديء. فعلى هذا إذا اجتمع لك مثلان ، وكان المثلان مما يمكن الإدغام فيهما فلا يخلو من أن يكون الثاني منهما متحرّكا أو ساكنا فإن كان الثاني متحركا فلا يخلو من أن يجتمعا في كلمة واحدة أو في كلمتين ، فإن اجتمعا في كلمة واحدة فلا يخلو من أن يكونا حرفي علّة أو حرفين صحيحين ، فإن كانا حرفي علّة فقد تقدّم حكمهما في باب القلب وإن كانا حرفين صحيحين فلا يخلو من أن يجتمعا في اسم أو في فعل.
فإن اجتمعا في فعل فالإدغام ليس إلا ، فإن كان الأول من المثلين ساكنا أدغمته في الثاني ، من غير تغيير ، نحو : «ضرّب» و «قطّع». وإن كان الأوّل منهما متحركا فإما أن يكون أوّلا في الكلمة أو غير أوّل. فإن كان غير أوّل سكّنته بحذف الحركة منه ، إن كان ما قبله متحركا أو ساكنا هو حرف مدّ ولين ، أو بنقلها إلى ما قبله ، إن كان ساكنا غير حرف مدّ ولين. وحينئذ تدغم ، نحو «ردّ» و «احمرّ» و «استقرّ» و «احمارّ». الأوّل من المثلين في الأصل متحرك ؛ ألا ترى أنّك إذا رددت الفعل إلى نفسك تقول «رددت» و «شممت» و «لببت» و «استقررت» و «احمررت» و «احماررت» ، فتحرّك لمّا زال الإدغام. وإنما سكنّته لأن النيّة بالحركة أن تكون بعد الحرف ، فتجيء فاصلة بين المثلين ، ولا يمكن الإدغام في المثلين مع الفصل.
هذا ما لم تكن الكلمة ملحقة ويكون الإدغام مغيرا لها ومانعا من أن تكون على مثل ما ألحقت به. فإنك حينئذ لا تدغم ، نحو : «جلبب» و «اسحنكك» (٢) ، لأنّهما
__________________
(١) هو عبد الله بن أبي إسحاق الزيادي الحضرميّ الذي هجاه الفرزدق.
(٢) اسحنكك الليل : اشتدّ ظلامه.