واحدة فكأنها عنده من قبيل الضبط ، إذ لو كانت حرفا من حروف المعجم لكان لها شكل واحد لا تنتقل عنه كسائر حروف المعجم.
وهذا الذي ذهب إليه أبو العباس فاسد. لأنّ الهمزة لو لم تكن حرفا لكان «أخذ» و «أكل» وأمثالهما على حرفين خاصّة ، لأنّ الهمزة ليست عنده حرفا وذلك باطل ، لأنه أقل أصول الكلمة ثلاثة أحرف : فاء وعين ولام.
فأما عدم استقرار صورتها على حال واحدة فسبب ذلك أنّها كتبت على حسب تسهيلها. ولو لا ذلك كانت على صور واحدة وهي الألف. ومما يدلّ على ذلك أنّ الموضع الذي لا تسهّل فيه تكتب فيه ألفا ، بأيّ حركة تحرّكت وذلك إذا كانت أولا ، نحو «أحمد» و «أبلم» و «إثمد».
ومما يبيّن أيضا أنّها حرف أنّ واضع أسماء حروف المعجم وضعها ، على أن يكون في أول الاسم لفظ الحرف المسمى بذلك الاسم نحو «جيم» و «دال» و «ياء» وأمثال ذلك. فـ «الألف» اسم للهمزة لوجود الهمزة في أوله فأما الألف التي هي مدّة فلم يتمكّن ذلك في اسمها لأنّها ساكنة ، ولا يبتدأ بساكن ، فسميّت ألفا باسم أقرب الحروف إليها في المخرج ، وهو الهمزة.
ومما يبين أيضا أنّها حرف ، وليست من قبيل الضبط ، أنّ الضبط لا يتصوّر النطق به إلّا في حرف ، والهمزة يتصور النطق بها وحدها كسائر الحروف. فدلّ ذلك على أنّها حرف.
وقد تبلغ الحروف خمسة وثلاثين حرفا بفروع حسنة تلحقها يؤخذ بها في القرآن وفصيح الكلام وهي : النون الخفيفة ـ وهي النون الساكنة إذا كان بعدها حرف من الحروف التي تخفى معه ـ والهمزة المخفّفة ، وألف التفخيم ، وألف الإمالة ، والشين التي كالجيم نحو «أجدق» في «أشدق» والصاد التي كالزاي في نحو «مصدر» وسيبيّن بعد ، إن شاء الله تعالى.
وقد تبلغ ثلاثة وأربعين حرفا بفروع غير مستحسنة ، ولا مأخوذ بها في القرآن ولا في الشعر ولا تكاد توجد إلا في لغة ضعيفة مرذولة وهي :
الكاف التي كالجيم : وقد أخبر أبو بكر ابن دريد أنها لغة في اليمن ، يقولون في «كمل» : «جمل» وهي كثيرة في عوامّ أهل بغداد.
والجيم التي كالكاف : وهي بمنزلة ذلك فيقولون في «رجل» «ركل» فيقربونها من الكاف.
والجيم التي كالشين : نحو «اشتمعوا» و «أشدر» يريدون «اجتمعوا» و «أجدر».
والطاء التي كالتاء : نحو «تال» تريد «طال» وهي تسمع من عجم أهل المشرق كثيرا لأن الطاء في أصل لغتهم معدومة.