علاج في إخراجها ولا اعتماد. فإذا كانت قبل حروف الحلق تعذّر النّطق بحروف الحلق ، لأنّ النون تستدعي ترك الاعتماد ، وحروف الحلق تطلب الاعتماد. فإذا بيّنت النون قبلها أمكن إخراجها ، لأنّ النون البيّنة مخرجها من اللسان ، فهي أيضا تطلب الاعتماد كسائر حروف اللسان.
وأما جواز خفائها وإظهارها مع الخاء والغين ، فلأنهما من أقرب حروف الحلق إلى الفم. فمن أجراهما مجرى ما تقدّمهما من حروف الحلق أظهر النون معهما. ومن أجراهما مجرى ما يليهما من حروف الفم ـ وهو القاف والكاف ـ أخفى النون معهما كما يخفيها مع القاف والكاف.
وأما إخفاؤها مع الخمسة عشر حرفا من حروف الفم الباقية فلأنها اشتركت معها في كونها من حروف الفم. وأيضا فإنها ـ وإن كانت من حروف اللسان ـ فبالغنّة التي فيها ، التي خالطت الخياشيم ، اتّصلت بجميع حروف الفم. فلمّا أشبهتها فيما ذكرنا ، وكانت قد أدغمت في بعض حروف الفم ، غيّروها بالإخفاء معها كما غيّروها بالإدغام والقلب مع حروف «ويرمل» من حروف الفم ، لأنّ الإخفاء شبيه بالإدغام. ولم يغيّروها بالإدغام ، لأنهم أرادوا أن يفرّقوا بين ما يقاربها من حروف الفم في المخرج ـ كاللّام والراء ـ وفي الصفة ـ كالميم والياء والواو ـ وبين ما ليس كذلك ، فجعلوا التغيير الأكثر للأقرب ، والتغيير الأقلّ للأبعد.
ولم يسمع من كلامهم تسكين النون المتحركة ، إذا جاءت قبل الحروف التي تخفى معها ، كما تسكّن مع الحروف التي تدغم معها. فلم يقولوا : «ختن سليمان» كما قالوا : «ختن مّوسى». لكن إن جاء ذلك لم يستنكر ، لأنّ الإخفاء نوع من الإدغام.
ولا يدغم في النون شيء إلّا اللّام. وقد تقدّم ذلك في فصل اللّام.
وأما الراء فلا تدغم في شيء ، لأن فيها تكريرا ؛ ألا ترى أنك إذا نطقت بها تكرّرت في النطق. فلو أدغمتها فيما يقرب منها ـ وهو اللّام والنون ـ لأذهب الإدغام ذلك الفضل الذي فيها من التكرير ، لأنها تصير من جنس ما تدغم فيه ، وما تدغم فيه ليس فيه تكرير. فلمّا كان الإدغام يفضي إلى انتهاكها بإذهاب ما فيها من التكرار لم يجز ، وقد روي إدغامها في اللّام ، وسأذكر وجه ذلك في إدغام القرآن إن شاء الله تعالى.
ولا يدغم فيها إلّا اللّام والنون ، وقد تقدّم ذكر ذلك في فصليهما.
ثم الطاء ، والدال ، والتاء ، والظاء ، والذال ، والثاء. كلّ واحدة منهن تدغم في الخمسة الباقية ، وتدغم الخمسة الباقية فيه.
وتدغم أيضا هذه الستّة في الضاد ، والجيم ، والشين ، والصاد ، والزاي ، والسين. ولم يحفظ سيبويه إدغامها في