وإنما كان الغالب في صاحبها التعريف ، لأنه إذا كان نكرة ، كان ذكر ما يميّزها ويخصصها من بين أمثالها ، أعني وصفها : أولى من ذكر ما يقيّد الحدث المنسوب إليها ، أعني حالها ؛ لأنّ الأولى أن يبيّن الشيء أولا ، ثم يبيّن الحدث المنسوب إليه ، ثم يبيّن قيد ذلك الحدث ؛ فعلى هذا ، أوّلت المعرفة حالا (١) ، لأن التعريف عبث ضائع ؛ ولم تؤوّل النكرة ذا حال (٢) ، لأن غايته أنه على خلاف الأولى ، فقوله : «غالبا» ، يرجع إلى تعريف صاحب الحال ، لأن تنكيرها واجب لا غالب.
قوله : «وأرسلها العراك» ، هذا مثال لتعريف صاحب الحال في الظاهر ؛ ونقول : الحال المعرفة ظاهرا : إمّا مصدر ، وإمّا غير مصدر ، والمصدر إمّا معرّف باللام ، نحو : أرسلها العراك ، أو معرّف بالإضافة ، نحو : افعله جهدك (٣) وطاقتك ، ووحدك ، و: رجع عوده على بدئه ، وفيه قولان :
قال سيبويه : (٤) إنها معارف موضوعة موضع النكرات (٥) ، أي معتركة ومجتهدا ومطيقا ، ومنفردا ، وعائدا ؛ والطاقة بمعنى الوسع ، وكذا : الطوق ، اسم وضع موضع الإطاقة ؛ ووحدك ، في الأصل : وحدتك ، فحذفت التاء ، لقيام المضاف إليه مقامها ، كما في قوله تعالى : (وَإِقامَ الصَّلاةِ)(٦) ، والوحدة : الانفراد ؛ ويجوز أن يكون الوحد ، [والحدة (٧)] والوحدة ، مصدر : وحد يحد ، يقال : وحدا وحدة ، كوعد يعد وعدا وعدة.
__________________
(١) أي حين تقع حالا
(٢) أي حين تقع صاحب حال ،
(٣) يأتي في الشرح تفسير هذه الأمثلة ؛
(٤) سيبويه امام النحاة ، أكثر من نقل عنهم الرضي في هذا الشرح ، وقد حدّدنا كثيرا من الأمور التي نقلها الرضي بذكر موضعها من كتاب سيبويه ؛
(٥) هذا بمعناه في كتاب سيبويه ج ١ ص ١٨٧
(٦) الآية ٧٣ سورة الأنبياء ، وهي ، أيضا جزء من الآية ٣٧ سورة النور
(٧) وردت هذه الكلمة في بعض النسخ كما أشير إلى ذلك بهامش المطبوعة التركية وإثباتها مناسب لما سيأتي من كلام الشارح