انتصاب التمييز عنه ، كزيد ، في : طاب زيد نفسا ، لأنه لو لا أنك أسندت «طاب» إليه ، لم يكن ينتصب «نفسا» بل كان يرتفع ، إذ هو في الأصل فاعل ، أي : طاب نفس زيد ، فزيد هو سبب لانتصاب «نفسا» ، وكذا معنى قولهم : ينتصب عن تمام الاسم ، أو عن تمام الكلام ، أي أن تمامها سبب لانتصاب التمييز ، تشبيها بالمفعول الذي يجيئ بعد تمام الكلام بالفاعل ؛ ويجوز أن يقال : إن «عن» في هذه المواضع بمعنى «بعد» ، كما قيل في قوله تعالى : «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ» ؛ (١) والأول أولى ؛
قوله : «عن مفرد ، مقدار غالبا» ، نقول : التمييز على ضربين : رافع الإبهام عن ذات مذكورة ، ورافعه عن ذات مقدرة ؛
والأوّل لا يكون إلا عن مفرد ، وذلك المفرد على ضربين : إمّا مقدار ، وهو الغالب ، أو غير مقدار ، والمقدار : ما يقدّر به الشيء ، أي يعرف به قدره ويبيّن ؛ والمقادير إمّا مقاييس (٢) مشهورة موضوعة ليعرف بها قدر الأشياء كالأعداد ، وما يعرف به قدر المكيل ، كالقفيز والاردب والكرّ ، وما يعرف به قدر الموزون ، كصنجات (٣) الوزن ، كالطسّوج والدانق والدينار والمنّ والرطل ، ونحو ذلك ، وما يعرف به قدر المذروع والممسوح ، كالذراع ، وقدر راحة ، وقدر شبر ، ونحو ذلك ،
أو مقاييس غير مشهورة ، ولا موضوعة للتقدير ، كقوله تعالى : (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً)(٤) ، وقولك : عندي مثل زيد رجلا ؛
وأمّا : غيرك إنسانا ، وسواك رجلا ، فمحمول على «مثلك» بالضدية ؛ وقولك :
__________________
(١) الآية ١٩ سورة الإنشقاق
(٢) المراد بالمقاييس هنا : الأشياء التي تعتبر معيارا لغيرها وأما المقيس بالمعنى المتعارف فعبر عنه بالمذروع فيما يأتي ،
(٣) الصنجة ، ثقل من حديد ونحوه يجعل أساسا للوزن وكثير مما أورده الرضي هنا ، منقول من لغات مختلفة ، يرجع في تحديد معناها إلى المعاجم وكتب المعرّب ونحوها ؛
(٤) من الآية ٩١ سورة آل عمران ،