ودربة ، فصار ذلك الصوت المركب من الحروف ، كالأمر والنهي ، لذلك الحيوان ؛ انما وضعوا لمثل هذا الغرض صوتا مركبا من الحروف ، ولم يقنعوا بساذج الصوت ، لأن من حيث هو متشابه الأفراد وتمايزها بالتقطيع والاعتماد بها على المخارج سهل ،
الأفعال المطلوبة من الحيوانات مختلفة ، أرادوا اختلاف العلامات الدالة عليها ، فركبوها من الحروف ؛ وما ذكرنا من الترتيب (١) يتبيّن من كيفية تعليم الحيوانات كالدب ، والقرد ، والكلب وغير ذلك ؛
هذا ، وأنا لا أرى منعا من ارتكاب صيرورة هذه الأصوات المقارنة في الأصل للضرب أو البرّ ، لمّا استغنى بها الطالب عنهما ، أسماء (٢) أفعال بمعنى الأمر ، كما ذهب إليه بعضهم ، فتكون أوامر ونواهي ، لأن الله سبحانه وتعالى جعل العجماوات في فهم المطلوب من هذه الأصوات بمنزلة العقلاء ، فلا بأس بأن تخاطب ، وتكلم بما تفهمه كالعقلاء ؛ ثم نقول : إنما سميت الأقسام الثلاثة أصواتا ، وإن كان غيرها من الكلام أيضا ، صوتا ، لأن هذه ، في الأصل : إمّا أصوات ساذجة كحكاية أصوات العجماوات والجمادات أو أصوات مقطعة معتمدة على المخارج لكنها غير موضوعة لمعان كالألفاظ الطبيعية ، وكما يصوّت به للحيوان ، وهذه الأقسام الثلاثة ليست في الأصل كلمات ، إذ ليست موضوعة ، فسمّيت باسم ساذج الصوت ، فقيل : أصوات ، ثم جعلت الثلاثة بعد هذا الأصل ، لاحتياجهم إلى استعمالها في أثناء الكلام ، كالكلمات (٣) ، فعاملوها معاملتها ، وألحقوها بأشرف الكلمات أي بالأسماء ، ليكون أدلّ على دخولها في ظاهر أقسام الكلمات ، فصرّفوها تصريف الأسماء فأدخلوا التنوين الذي هو من أخصّ علامات الأسماء في بعضها نحو ، غاق ، وأفّ ؛ والألف واللام في بعضها ، وذلك (٤) إذا قصدوا لفظ الصوت لا معناه ، كقوله : باسم الماء (٥) ، وقوله : كما رعت بالجوت ، فهو كقولك : أمرته
__________________
(١) يريد ما ذكره من التدرج في تدريب الحيوانات وتعويدها على إدراك ما يراد من الصوت المعيّن.
(٢) خبر عن المصدر الذي هو صيرورة ، مصدر صار ، من أخوات كان ،
(٣) مرتبط بقوله : ثم جعلت الثلاثة ،
(٤) راجع إلى إدخال الألف واللام ،
(٥) هو وما بعده إشارة إلى بيتين من الشعر يأتي ذكرهما قريبا ؛