ولم يبن الجزآن ولا أحدهما في نحو : يدا بيد ، ونحو : شاة ودرهما وإن أفاد فائدة المفرد ، ولذلك أعرب أولهما إعراب المفرد الذي يفيدان معناه كما تبين في باب الحال ، لظهور (١) انفكاك الجزأين : أحدهما من صاحبه ، بالحرف المتخلّل ؛ وكان بناء ثاني جزأي بادي بدي تشبيها بخمسة عشر أكثر من بناء ثاني جزأي معد يكرب ، لقصدهم التخفيف ههنا أكثر ، ألا ترى إلى تخفيف همزتي بادئ بدىء ، على غير القياس ، كما يجيئ ، فكثر بناؤه أيضا ، على غير القياس ، لأن الكلمة تخف بالبناء ، لتجردها عن التنوين والإعراب ؛
وإنما لم يبن الجزآن ، ولا أحدهما في الأعلام المنقولة عن المضاف والمضاف إليه ، وإن انمحى عن الجزأين أيضا معنياهما الافراديان ، كما انمحى في بادي بدي ؛ لأن العلم ينقل بالكلية عن معنى إلى معنى آخر ، من غير لمح للأصل إلا لمحا خفيا في بعض المواضع ، كما في نحو : الحسن ، والعباس ؛ فلما غيّر المضاف من حيث المعنى تغييرا تامّا ، لم يغيّر من حيث اللفظ ، ليكون فيه دليل على الأصل المنقول منه ، من أحد الطرفين : أي اللفظ والمعنى ، بخلاف نحو : بادي بدي ، فإن معناه الأصلي مقصود مما نقل إليه ، إلّا أن المنقول منه إضافي ، والمنقول إليه إفراديّ ؛
وجعل جار الله (٢) : بادي بدي ، وأيدي سبا ، من باب معد يكرب ، وجعلها سيبويه من باب خمسة عشر ، وهو الأولى ، وإن كان على جهة التشبيه ، ولو كان الأمر كما قال جار الله ، لوجب إدخال التنوين في «بدي» ، و «بدا» ، لأن فيهما تركيبا بلا علمية ، ولم يسمعا منونين ، وكذا : أيدي سبا ، فإنه لا ينون «سبا» لأنه اسم رجل ، لأن معنى : أيدي سبا ، أولاد سبأ بن يشجب ، وليس اسم قبيلة ، كما أول في قوله تعالى : (لقد كان لسبأَ في مسكنهم) (٣) ، و : (جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ)(٤) ، لأن المضطر (٥) إلى هذا التأويل ترك التنوين ؛
__________________
(١) تعليل لقوله : ولم يبن الجزآن ولا أحدهما ؛
(٢) أي الزمخشري ،
(٣) الآية ١٥ سورة سبأ ،
(٤) الآية ٢٢ في سورة النمل ؛
(٥) الصيغة يراد بها اسم الفاعل ، يعني الدافع إلى هذا التأويل ،