قصر قلب من غير تنزيل وفيه ان القصر لا بد ان يشتمل على حكمين وليس هناك الا حكم واحد اثبات الرسالة عند المخاطب ونفيها عند المتكلم فلا يكون فى قوله ان انتم الا غير رسل قصر اذ لا معنى يصح حقيقيا وليس هناك وصف يكون القصر صحيحا بالنسبة اليه (قوله مع اصرار المخاطبين اه) فاصرار الرسل عليهم السّلام على دعوى الرسالة بمنزلة الاصرار على انكار البشرية عند الكفار فلذلك جعلوهم منكرى البشرية وخاطبوهم بما خاطبوهم (قوله من باب مجازاة الخصم) اى الجرى معه فى الطريق ومثاله ان تريد ازلاق صاحبك فتماشيه فى الطريق المستقيم حتى اذا وصلت الى مزلقة ازلقته واللام فى ليعثر متعلق بالمجازاة وحيث يراد ظرف ليعثر (قوله ولكن ذلك لا يمنع الخ) كما يدل عليه ما بعده من قوله تعالى (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (قوله وهذا يصلح) اى كونه من باب المجازاة يصلح جوابا لاصل الحكم اذ ليس المقصود منه افاده نفس الحكم ولا لازمه (قوله بطريق القصر فليكون على وفق كلام الخصم الخ) فانه اقوى فى المجاراة ولم يقصد بذلك تسليم القصر بقرينة قوله تعالى (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) فاندفع ما قيل انه يلزم ان يكون النفى والاستثناء لغوا اذ ليس المراد الا مجرد اثبات البشرية واما ما قيل الوجه ان يقال ان الكفار اعتقدوا ان الرسول يكون ملكا لا بشرا فنزلوا هم فى دعوى الرسالة منزلة من يدعى الملكية وينكر البشرية (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فقول الرسل (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ليس فيه تسليم انتفاء الرسالة بل تسليم انتفاء الملكية فيكون من باب المجاراة والزامهم بقوله (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) او يقال ان القصر باعتبار الوصف اعنى مثلنا فقول الكفار (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) معناه انكم لا تتجاوزون البشرية الى امتياز يستحقون به النبوة فاجاب الرسل بتسليم القصر المذكور ومنعوا ان يكون النبوة بالاستحقاق والامتياز بل هى منة من الله تعالى ويؤيد هذا التوجيه قوله تعالى (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) فانه يدل على انهم لا ينكرون رسالة البشر فيرد على التوجيه الاول ان المقاولة الواقعة بين الرسل والكفار فى سورة يس من قوله تعالى (فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) الى قوله (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) يدل على ان الرسل كانوا يدعون الرسالة والكفار ينفونها باثبات البشرية وعلى التوجيه الثانى ان دعوى الكفار المماثلة انما هو فى البشرية ولوازمها لا فى جميع الصفات فالقصر على المنلية قصر على البشرية فالمقصور عليه البشرية والدعوى الرسالة وذكر الوصف لتعليل البشرية كأنه