جهنم والسموات الجنة. (وَبَرَزُوا لِلَّهِ) قد ذكرناه في أول السورة. وتخصيص (الْواحِدِ الْقَهَّارِ) بالموضع تعظيم وتهويل وأنه لا مستغاث وقتئذ إلى غيره ولا حكم يومئذ لأحد إلا له يتفرد في حكمه ويقهر ما سواه.
ومن نتائج قهره قوله : (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ) قرن بعضهم مع بعض لأن الجنسية علة الضم أو مع الشياطين الذين أضلوهم. قالت الحكماء : هي الملكات الذميمة والعقائد الفاسدة التي اكتسبوها في تعلق الأبدان. وقوله : (فِي الْأَصْفادِ) أي القيود إما أن يتعلق بمقرنين وإما أن يكون وصفا مستقلا أي مقرنين مصدفين. وقيل : الأصفاد الأغلال. والمعنى قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال. وحظ العقل فيه أن الملكات الحاصلة في جوهر النفس إنما تحصل بتكرير الأفعال الصادرة من الجوارح والأعضاء.(سَرابِيلُهُمْ) جمع سربال وهو القميص (مِنْ قَطِرانٍ) هو ما يتحلب أي يسيل من شجر يسمى الأبهل فيطبخ فتهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحره وحدّته ، وقد تبلغ حرارته الجوف ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار ، وقد يستسرج به وهو أسود اللون منتن الريح فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلأوه لهم كالسرابيل فيجمع عليهم اللذع والحرقة والاشتعال والسواد والنتن ، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين والوجه العقلي فيه أن البدن بمنزلة القميص للنفس ، وكل ما يحصل للنفس من الآلام والغموم فإنما يحصل بسبب هذا البدن ، فلهذا البدن لذع وحرقة في جوهر النفس بنفوذ الشهوة والحرص والغضب وسائر آثار الملكات الردية فيه. ومن قرأ من قطران فالقطر النحاس والصفر المذاب والآني المتناهي حره. قال ابن الأنباري : وتلك النار لا تبطل ذلك السربال ولا تفنيه كما لا تهلك النار أجسادهم والأغلال التي كانت عليهم (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) خص الوجه بالذكر لأنه أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه فعبر به عن الكل. قوله : (لِيَجْزِيَ) اللام متعلقة بـ (تَغْشى) أو بجميع ما ذكر كأنه قيل : يفعل بالمجرمين ما يفعل ليجزي (اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) قال الواحدي : أراد نفوس الكفار لأن ما سبق لا يليق إلا بهم. ويحتمل أن يراد كل نفس مجرمة ومطيعة لأنه تعالى إذا عاقب المجرمين لإجرامهم علم أنه يثيب المطيعين لطاعتهم. ثم أشار إلى القرآن أو إلى ما في السورة أو إلى ما مر من قوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً) إلى هاهنا فقال (هذا بَلاغٌ) كفاية (لِلنَّاسِ) في التذكير والموعظة لينصحوا (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) بهذا البلاغ. ثم رمز إلى استكمال القوّة النظرية بقوله : (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) وإلى استكمال القوّة العملية بقوله : (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به دعتهم المخافة إلى استكمال النفس بحسب القوتين والله ولي التوفيق.