التأويل : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) الروح (رَبِّ اجْعَلْ) بلد القلب (آمِناً) من وسوسة الشيطان وهواجس النفس وآفات الهوى (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَ) هم الفؤاد والسر والخفي (أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) وهو كل ما سوى الله. فصنم النفس الدنيا ، وصنم القلب العقبى ، وصنم الروح الدرجات العلى ، وصنم السر العرفان والقربات ، وصنم الخفي الركون إلى المكاشفات والمشاهدات وأنواع الكرامات (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ) فيه نكتتان : إحداهما لم يقل «ومن عصاك» إشارة إلى أن عصيان الله لا يستحق المغفرة والرحمة ، والثانية لم يقل «فأنا أغفره وأرحم عليه» لأن عالم الطبيعة البشرية يقتضي المكافأة وإنما المغفرة والرحمة من شأن الغني المطلق (أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) هم صفات الروح والعقل والسر والخفي (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) وهو وادي النفس (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) على ما سواك وهو كعبة القلب حرام أن يكون بيتا لغير الله «لا يسعني أرضي ولا سمائي وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن». وفيه أنه توسل في إجابة الدعاء بمحمد صلىاللهعليهوسلم وكأنه قال : إن ضيعت هاجر وإسماعيل فقد ضيعت محمدا. وفي قوله : (لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) إشارة إلى أنه لو لا تعلق الروح بالجسد وحلوله بأرض القالب لم يمكن استكمال الروح بالأعمال البدنية ، وأنه لو لا غرض هذا الاستكمال لم يحصل ذلك التعلق (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً) الصفات الناسوتية (تَهْوِي) إلى الصفات الروحانية (وَارْزُقْهُمْ مِنَ) ثمرات الصفات اللاهوتية (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) هذه النعمة الجسيمة التي ليس ينالها الملائكة المقربون ، وفي هذا سر عظيم لا يمكن إفشاؤه. (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي) من حقائق الدعاء (وَما نُعْلِنُ) من ظاهر القصة (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ) في أرض المعاملات الصورية ولا في سماء القلوب من الغيوب (عَلَى الْكِبَرِ) أي بعد تعلق الروح بالقالب (إِسْماعِيلَ) السر (وَإِسْحاقَ) الخفي (مُقِيمَ الصَّلاةِ) دائم العروج فإن الصلاة معراج المؤمن (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي) استرني وامنحني بصفة معرفتك (وَلِوالِدَيَ) من الآباء العلوية والأمهات السفلية لئلا يحجبوني عن رؤيتك يوم يقوم حسابك بكمالية كل نفس ونقصانها لأكون في حساب الكاملين لا في حساب الناقصين. (وَلا تَحْسَبَنَ) أي لم يكن (اللهَ غافِلاً) في الأزل بل الكل بقضائه وقدره و (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ) ليبلغوا إلى ما قدر لهم من الأعمال فإنها مودعة في الأعمار ، وبذلك يصل كل من أهل السعادة والشقاوة إلى منازلهم (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) فيه من إبطال مذهب التناسخية. زعموا أن نفوسهم لا تزال تتعلق بالأبدان (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) تعلقتم بأبدان مثل أبدانهم منهمكين في ظلمات الأخلاق الذميمة (وَعِنْدَ اللهِ) مقدار (مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ) بحيث يؤثر في إزالة الجبال عن أماكنها ولكنه لا تحرك شعرة إلا بإذن الله بقضائه (يَوْمَ تُبَدَّلُ) أرض البشرية بأرض القلوب فتضمحل ظلماتها بأنوار