تمنع الشياطين من الوصول إلى الفلك حين الاستراق؟ وأجيب بأن البعد عندنا غير مانع من السماع فلعله تعالى أجرى عادته بأنهم إذا وقعوا في تلك المواضع سمعوا كلام الملائكة.
آخر : لو كان يمكنهم نقل أخبار الملائكة إلى الكهنة فكيف لم يقدروا على نقل أسرار المؤمنين إلى الكفار؟ وأجيب بأنه تعالى أقدرهم على شيء وأعجزهم عن شيء ولا يسأل عما يفعل. وأقول : لعل السبب فيه أن نسبتهم إلى الروحانيات أكثر.
آخر : إذا جوّزتم في الجملة اطلاع الجن على بعض المغيبات فقد ارتفع الوثوق عن إخبار النبي صلىاللهعليهوسلم عن بعض الغيوب فلا يكون دليلا على صدقه. لا يقال : إنه تعالى أخبر أنهم عجزوا عن ذلك بعد مولد النبي صلىاللهعليهوسلم لأنا نقول : صدق هذا الكلام مبني على صحة نبوّته ، فلو أثبتنا صحة نبوّته به لزم الدور؟ والجواب : أنا نعرف صحة نبوّته بدلائل أخر حتى لا يدور ، ولكن لا ريب أن إخباره عن بعض المغيبات مؤكد لنبوّته وإن لم يكن مثبتا لها.
الدليل الرابع : قوله (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) وقد مرّ تفسير مثله في أوّل سورة الرعد.
الدليل الخامس قوله : (وَأَنْبَتْنا فِيها) أي في الأرض أو في الجبال الرواسي (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) بميزان الحكمة ومقدر بمقدار الحاجة ، وذلك أن الوزن سبب معرفة المقدار فأطلق اسم السبب على المسبب. وقيل : أي له وزن وقدر في أبواب النعمة والمنفعة. وقيل : أراد أن مقاديرها من العناصر معلومة وكذا مقدار تأثير الشمس والكواكب فيها. وقيل : أي مناسب أي محكوم عليه عند العقول السليمة بالحسن واللطافة. يقال : كلام موزون أي مناسب ، وفلان موزون الحركات. وقيل : أراد ما يوزن من نحو الذهب والفضة والنحاس وغيرها من الموزونات كأكثر الفواكه والنبات. (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها) أي في الأرض أو في تلك الموزونات (مَعايِشَ) ما يتوصل به إلى المعيشة وقد مر في أول «الأعراف». (وَمَنْ) عطف على معايش أي جعلنا لكم من (لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) أو عطف على محل لكم لا على المجرور فقط فإنه لا يجوز في الأكثر إلا بإعادة الجار والتقدير : وجعلنا لكم معايش لمن لستم له برازقين ، وأراد بهم العيال والمماليك والخدم الذين رازقهم في الحقيقة هو الله تعالى وحده لا الآباء والسادات والمخاديم ، ويدخل فيه بحكم التغليب غير ذوي العقول في الأنعام والدواب والوحش والطير كقوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي