أيضا أن المراد بالتنور وجه الأرض لقوله : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) [القمر : ١٢] وعنه أيضا كرم الله وجهه أن معنى (فارَ التَّنُّورُ) طلع الصبح. وقيل : معناه اشتد الأمر كما يقال حمي الوطيس. والمراد إذا رأيت الأمر يشتد والماء يكثر فاركب في السفينة وذلك قوله (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) والزوجان شيئان يكون أحدهما ذكرا والآخر أنثى. فمن قرأ بالإضافة فمعناه احمل من كل صنفين بهذا الوصف اثنين ، ومن قرأ بالتنوين فالمراد حمل من كل شيء زوجين. واثنين للتأكيد ولا يبعد أن يكون النبات داخلا فيه لاحتياج الناس إليه (وَأَهْلَكَ) معطوف على مفعول (احْمِلْ) وكذا (مَنْ آمَنَ) وقوله (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) قال الضحاك : أراد ابنه وامرأته قدر الله لهما الكفر إذ علم منهما ذلك. ثم قال (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) أي نفر قليل : عن مقاتل أنهم ثمانون وبهم سموا قرية الثمانين بناحية الموصل لأنهم لما خرجوا من السفينة بنوها. وقيل : اثنان وسبعون رجلا وامرأة ، وأولاد نوح : سام وحام ويافث ونساؤهم. فالجميع ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء. وعن محمد بن إسحق كانوا عشرة ، وعن النبي صلىاللهعليهوسلم كانوا ثمانية ، نوح وأهله وبنوه الثلاثة ونساؤهم. وقيل في بعض الروايات : إن إبليس دخل معه السفينة وفيه بعد لأنه جسم ناري فلا يؤثر الغرق فيه.
قوله سبحانه وتعالى حكاية عن نوح وأهله (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) الآية. فيه أبحاث الأول : أن الركوب متعد بنفسه يقال : ركبت الدابة والبحر والسفينة أي علوتها. فما الفائدة في زيادة لفظة «في»؟ قال الواحدي : فائدته أن يعلم أنه أمرهم بأن يكونوا في جوف الفلك لا على ظهره. الثاني قوله : (بِسْمِ اللهِ) إما أن تتعلق بقوله : (ارْكَبُوا) حالا من الواو أي مسمين الله ، أو قائلين باسم الله و (مَجْراها وَمُرْساها) مصدران حذف منهما الوقت المضاف كقولهم : جئتك خفوق النجم ومقدم الحاج ، أو يراد مكان الإجراء والإرساء أو زمانهما. وانتصابهما بما في بسم الله من معنى الفعل ، أو بالقول المقدر. وعلى التقادير يكون مجموع قوله : (وَقالَ ارْكَبُوا) إلى قوله : (وَمُرْساها) كلاما واحدا. وإما أن يكون (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) كلاما آخر من مبتدإ وخبر أي باسم الله إجراؤها وإرساؤها. يروى أنه كان إذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت ، وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله فرست. ويجوز أن يقحم الاسم كقوله : تم اسم السلام عليكما ، ويراد بالله إجراؤها وإرساؤها ، وكان نوح أمرهم بالركوب أوّلا ثم أخبرهم بأن إجراءها وإرساءها بذكر اسم الله أو بأمره وقدرته. وجوز في الكشاف أن تكون هذه الجملة في موضع الحال من ضمير الفلك ولا تكون جملة مستأنفة ولكن فضلة من تتمة الكلام الأول كأنه قال اركبوا