في «الأعراف» (فَكانُوا عَنْها) أي عن النظر فيها والاعتبار بها (مُعْرِضِينَ) وفيه أن التقليد مذموم والاستدلال واجب (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) من أن تنهدم ويتداعى بنيانها أو يقع سقفهم عليهم ، أو آمنين من عذاب الله أو من حوادث الدهر. (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) لم يدفع عنهم شيئا من عذاب الله (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) من بناء البيوت الوثيقة ومن جمع الأموال والعدد. ولما فرغ من القصص قال : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) أي متلبسة بالفوائد والغايات والحكم الصحيحة منها : اشتغال المكلفين بالعبادة والطاعة حتى لو تركوها وأعرضوا عنها وجب في الحكمة إهلاكهم وتطهير الأرض منهم ، وهذا النظم يناسب أصول الاعتزال ، قال الجبائي : فيه بطلان مذهب الجبرية الذين يزعمون أن أكثر ما خلق الله بين السموات والأرض من الكفر والمعاصي باطل. وأجيب بأن أفعال العباد من جملة ما بين السموات والأرض فوجب أن يكون الله خالقها. ويمكن أن يقال في وجه النظم : إن هذا ابتداء شروع في تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم وتصبيره على أذيات قومه بعد اقتصاص أحوال الأمم السالفة ومعاملاتهم مع أنبيائهم ، ويؤيد هذا النظم قوله : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) معناه أن الله سينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيئاتهم فإنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق والعدل فكيف يليق بحكمته وفضله إهمال أمرك؟ ولما صبره على أذى قومه رغبه في الصفح فقال : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) أي فأعرض عنهم إعراضا جميلا بحلم وإغضاء إن كان اللام الجنس فالمراد هذا النوع من الصفح لا الذين يشتمل على حقد واجتهال ومكر ، وإن كان للعهد فلعل المراد ما أمر به في نحو قوله : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [الأعراف : ١٩٩] وقيل : هذا منسوخ بآية السيف والأظهر أن حسن المعاشرة والمخالقة مأمور به ما أمكن فلا حاجة إلى ارتكاب النسخ (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ) كثير الخلق (الْعَلِيمُ) الكامل العلم يعلم ما يجري بين الخلائق من الأحوال والأخلاق وإن كثروا وكثرت فيجازيهم يوم القيامة على حسب ذلك. وقيل : أراد أنه الذي خلقكم وعلم ما هو الأصلح لكم ، فاليوم الصفح أصلح فاصفحوا إلى أن يكون السيف أصلح.
ثم حثه على الصفح والتجاوز بذكر النعم العظام التي خصه بها فقال : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) أكثر المفسرين على أن المراد بها فاتحة الكتاب وهو قول عمر وعلي رضياللهعنهما وابن مسعود وأبي هريرة والحسن وأبي العالية ومجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة. وذلك أنها سبع آيات. والمثاني جمع مثناة من التثنية أو جمع مثنية لأنها تثنى في كل صلاة. وقال الزجاج : تثنى بما يقرأ بعدها معها. وأيضا قسمت