قالوا : أراد بالحلية اللؤلؤ والمرجان ، والمراد بلبسهم لبس نسائهم لأنهن من جملتهم ولأن تزيينهن لأجلهم. ولقائل أن يقول : لا مانع من تزيين الرجال باللئالئ ونحوها شرعا فلا حاجة إلى هذه التكلف. استدل الإمام فخر الدين بالآية في إبطال قول الشافعية إنه لا زكاة في الحلي قال : لأن اللام فيما يروى عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا زكاة في الحلي» تنصرف إلى المعهود السابق ولا معهود إلا ما في الآية من الحلية فصار معنى الحديث : لا زكاة في اللآلئ. وهذا باطل بالاتفاق. والقائل أن يقول : لم لا يجوز أن تكون اللام للجنس فتشمل المصوغ من الذهب والفضة أيضا فيكون الحديث مخصصا بالآية إن ثبت صحته؟
ومن عجائب البحر ومنافعه قوله سبحانه : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) قال أهل اللغة : مخر السفينة شقها الماء بصدرها. وعن الفراء أنه صوت دويّ الفلك بالرياح. وقال ابن عباس : مواخر أي جواري. وإنما حسن هذا التفسير لأنها لا تشق الماء إلا إذا كانت جارية. وقوله : (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي تتجروا فيه فتطلبوا الربح من فضل الله وإذا وجدتم فضله وإحسانه فلعلكم تقدمون على شكره. واعلم أن قوله : (مَواخِرَ فِيهِ) جاء على القياس لأن موضع الظرف المتعلق بمواخر بعد مضي مفعولي «ترى» ، وأما في سورة الملائكة فقدم الظرف ليكون موافقا لقوله : (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ) ولتقدم الجار في قوله : (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ) حذف لفظة «منه» هناك. الواو في (وَلِتَبْتَغُوا) في هذه السورة للعطف على لام العلة في (لِتَأْكُلُوا) وقوله : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) اعتراض في السورتين يجري مجرى المثل ولهذا وحد الخطاب في قوله : (وَتَرَى) وقبله وبعده جمع أي لو حضرت أيها المخاطب لرأيته بهذه الصفة. ويمكن أن يقال : إنما قال في الملائكة (فِيهِ مَواخِرَ) بتقديم الظرف لئلا يفصل بين لام العلة وبين متعلقها وهو مواخر ، وليكتنف المتعلق المتعلقان. وإنما بنينا الكلام على أن قوله : (فِيهِ) متعلق بـ (مَواخِرَ) لا بـ (تَرَى) لقرب هذا وبعد ذاك والله أعلم. قوله : (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) أي كراهة أن تميد الأرض بكم والباء للتعدية أو للمصاحبة. والميد الحركة والاضطراب يمينا وشمالا. يروى أنه تعالى خلق الأرض فجعلت تمور فقالت الملائكة : ما هي بمقرّ على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال لم تدر الملائكة مم خلقت. قال جمهور المفسرين : إن السفينة إذا ألقيت على وجه الماء فإنها تميل من جانب إلى جانب وتضطرب ، فإذا وضعت الأجرام الثقيلة في تلك السفينة استقرت على وجه الماء فهكذا الأرض تستقر على الماء بسبب ثقل الجبال. واعترض عليه بأن السفينة إنما تضطرب على الماء لتخلخلها وخفتها بسبب الهواء الداخل في تجاويف الخشب ومسامها ، أما الأرض فجسم كثيف ثقيل من شأنها الرسوب