الشريعة. هذا ما عليه الأكثرون. وقيل : السكر النبيذ وهو عصير العنب والزبيب والتمر إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ، ثم يترك حتى يشتد وهو حلال عند أبي حنيفة إلى حد السكر. واحتج بأن الآية دلت على أن السكر حلال لأنه تعالى ذكره في معرض الإنعام والمنة ، ودل الحديث على أن الخمر حرام لعينها وهذا يقتضي أن يكون السكر شيئا غير الخمر ، وكل من أثبت هذه المغايرة قال إنه النبيذ المطبوخ. ويحكى عن أبي علي الجبائي أنه صنف كتابا في تحليل النبيذ ، فلما آخذت منه السن العالية قيل له : لو شربت منه ما تتقوّى به فأبى فقيل له : فقد صنفت في تحليله. فقال : تناولته أيدي الشيطان فقبح عند ذوي المروءات والأقدار. وقيل : السكر الطعم قاله أبو عبيدة. وقيل : السكر والرزق الحسن واحد كأنه قيل : تتخذون منه ما هو سكر ورزق حسن. ومن أعجب أحوال الحيوان حال النحل المناسب عسلها اللبن في موافقة اللذة وفي الخروج من البطن فلذلك أفردها بالذكر عقيب ذلك قائلا : (وَأَوْحى رَبُّكَ) يا محمد أو يا إنسان إلى النحل أي ألهمها وعلمها على وجه هو أعلم به ، ولقد حق لغريب أمرها وعجيب صنعتها أن يطلق عليه لفظ الإيحاء وذلك أنها تبني البيوت المسدسة من الأضلاع المتساويات التي لا يمكن للعقلاء تركيب أمثالها إلا بالمساطر والفرجارات ، وقد علم من الهندسة أن تلك البيوت لو كانت مشكلة بما سوى المسدسات فإنه يبقى بالضرورة فيما بينها فرج خالية ضائعة. فاهتداء ذلك الحيوان الضعيف إلى هذه الحكمة الدقيقة من الأعاجيب. ومن غرائب أمرها أن لها رئيسا هو أعظم جثة من الباقين وهم يخدمونه ويتبعون نهيه وأمره ، ومنها أنها إذا نفرت عن وكرها ذهبت مع الجمعية إلى موضع آخر فإذا أرادوا عودها إلى وكرها ضربوا الطبول والملاهي وآلات الموسيقى وبواسطة تلك الألحان يقدرون على ردها إلى أوكارها. وبالجملة فإن غرائب هذا الحيوان أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تخفى ، والغرض أن امتياز هذا الحيوان بهذه الخواص العجيبة الدالة على الذكاء والكياسة حالة شبيهة بالوحي بمعنى الإلهام. قال الزجاج : يجوز أن يقال سميت نحلا لأنه تعالى نحل الناس العسل بواسطتها وهي مؤنثة في لغة أهل الحجاز ولذلك قال تعالى : (أَنِ اتَّخِذِي) وهي «أن» المفسرة لأن الإيحاء فيه معنى القول.
ومعنى «من» في قوله : (مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) أي يبنون ويرفعون البعضية لأنها لا تبني بيوتا في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش ، ولكنها تبني في مساكن توافقها وتليق بها وكثيرا ما يتعهدها الناس وتصلح أحوالها (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي بعضا من كل ثمرة تشتهينها فإذا أكلتها (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ) أي الطريق التي ألهمك