وقت البعث وكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل. وقال ابن عباس : يريد ما بين النفختين الأولى والثانية فإنه يزول عنهم هول العذاب في ذلك الوقت. وقيل : أراد استقصار لبثهم في عرصة القيامة حين عاينوا هول النار. ثم أمر المؤمنين بالرفق والتدرج عند إيراد الحجة على المخالفين فقال : (وَقُلْ لِعِبادِي) أي المؤمنين لأن لفظ العباد يختص بهم في أكثر القرآن (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) [الزمر : ١٧] (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الدهر : ٦] ، (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) [البقرة : ٢٩] ، (يَقُولُوا) الكلمة أو الحجة (الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وألين وهي أن لا تكون مخلوطة بالسب واللعن والغلظة. ثم نبه على وجه المنفعة بهذا الطريق فقال : (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) أي بين الفريقين جميعا فيزداد الغضب وتتكامل النفرة ويمتنع حصول المقصود. ثم قال : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) أيها المؤمنون بالإنجاء من كفار مكة إيذائهم (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) بتسليطهم عليكم (وَما أَرْسَلْناكَ) يا محمد عليهم وكيلا أي حافظا موكولا إليك أمرهم إنما أنت بشير ونذير. والهداية إلى الله.
وقال جار الله : الكلمة التي هي أحسن مفسرة بقوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) إلى آخره أي قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تقولوا لهم إنكم من أهل النار ، وإنكم معذبون وما أشبه ذلك مما يزيد غيظهم. وقوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) اعتراض. وقيل : المراد بالعباد الكفار أي قل لعبادي الذين أقروا بكونهم عباد إلي يقولوا الكلمة التي هي أحسن وهي كلمة التوحيد والبراءة من الشركاء والأضداد ، لأن ذلك أحسن بالبديهة من الإشراك. ووصفه بالقدرة على الحشر أحسن من وصفه بالعجز عنه ، والحامل على مثل هذه العقائد هو الشيطان المعادي. ثم قال لهم : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) بتوفيق الهداية ، وإن يشأ يعذبكم بالإماتة على الكفر إلا أن تلك المشيئة غائبة عنكم فلا تقصروا في الجد والطلب. ثم قال لرسوله : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) حتى تقسرهم على الإسلام وما عليك إلا البلاغ على سبيل الرفق والمداراة وهذا قبل نزول آية السيف. وقيل : نزلت في عمر بن الخطاب شتمه رجل فأمره الله بالعفو. وقيل : أفرط إيذاء المشركين للمسلمين فشكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت. وحين قال : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) عمم الحكم فقال : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني أن علمه غير مقصور ليكم ولا على أحوالكم بل علمه متعلق بجميع الموجودات وبما يليق بكل منها وبذلك حصل التمايز والتفاضل كما قال : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) وفيه رد على أهل مكة في إنكارهم أن يكون يتيم أبي طالب مفضلا على الخلائق ونبيا دون صناديد قريش