مأمور به دليل على أنه تعالى قد لا يريد من العبد ما أوجبه عليه. قالت المعتزلة : إنما ذكره بطريق الأدب. وأجيب بأن هذا الأدب إن صح معناه فقد ثبت المطلوب ، وإن فسد فأيّ أدب في ذكر الكلام الباطل.
قالت الأصوليون : في قوله : (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) دليل على أن ظاهر الأمر للوجوب ، لأن تارك الأمر عاص. بهذه الآية ، والعاصي يستحق العقاب لقوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) [الجن : ٢٣] قال المحققون : في قوله الخضر تغليظ وتجهيل ، وفي قول موسى تحمل وتواضع ، فدل ذلك على أن المعلم إن رأى التغليظ على المتعلم فيما يعتقده نفعا وإرشادا إلى الخير ، فالواجب عليه ذكره وعلى المتعلم أن يتلقاه بالبشر والطلاقة. ثم قال : فإن اتبعتني فلا تسألني شرط على موسى عليهالسلام في اتباعه أن لا يسأل عما خفي عليه وجه صحته حتى يكون الخضر هو المبتدئ بتعليمه إياه بإخباره عن وجه الحكمة فيه (فَانْطَلَقا) على ساحل البحر يطلبان السفينة ، فما ركباها يروى أن أهلها قالوا : هما من اللصوص وأمروهما بالخروج فمنعهم صاحب السفينة وقال : أرى وجوه الأنبياء. وقيل : عرفوا الخضر فحملوهم بلا أجرة ، فلما حصلوا في اللجة أخذ الخضر الفأس فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها مما يلي الماء. وقيل : خرق جدار السفينة ليعيبها ولا يتسارع الغرق إلى أهلها فجعل موسى يسد الخرق بثيابه ويقول : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) أتيت شيئا عظيما. يقال : أمر الأمر إذا عظم. ويقال في الشيء العجيب الذي يعرف له شبيه إنه أمر أمر. احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء بأن موسى عليهالسلام اعترض على الخضر بعد توكيد العهود والمواثيق وذلك ذنب. وأجيب بأنه لم يقل ذلك اعتراضا وتوبيخا ولكنه أحب أن يقف على حكمة ذلك الأمر الخارج عن العبادة ، أو أنه خالف الشرط بناء على النسيان ولهذا (قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) ولا مؤاخذة على الناسي. و «ما» موصولة أو موصوفة أو مصدرية أي بالذي نسيت وبشيء نسيته وبنسياني. وجوز في الكشاف أن لا يكون ناسيا في الحقيقة ولكنه أو هم بقوله : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) أنه قد نسي لبسط عذره في الاعتراض على المعلم وهو من معاريض الكلام التي يتقي بها الكذب مع التوصل إلى الغرض. وجوز أيضا أن يكون النسيان بمعنى الترك أي بما تركت من وصيتك أول مرة (وَلا تُرْهِقْنِي) ولا تغشني (مِنْ أَمْرِي عُسْراً) وأراد بأمره أمر المتابعة أي يسر عليّ متابعتك بالإغضاء وترك المناقشة.
وإنما قال في هذه القصة (خَرَقَها) بغير «فاء» لأنه جعله جزاء للشرط ، وفي قصة الغلام جعل (فَقَتَلَهُ) من جملة الشرط معطوفا عليه بفاء التعقيب ، لأن القتل يعقب لقاء