التعديد أو كان معناه أنا الله أرى فقوله : (كِتابٌ) خبر مبتدأ محذوف أي هذا الكتاب. والإشارة إما إلى هذا البعض وإما إلى مجموع القرآن. ومعنى (أُحْكِمَتْ) نظمت نظما رصينا من غير نقض ونقص ، أو جعلت حكيمة من حكم بالضم إذا صار حكيما ، أو منعت من الفساد والبطلان من قولهم : أحكمت الدابة وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح. أي لم ينسخ بكتاب سواه كما نسخ سائر الكتب وذلك لاشتماله على العلوم النظرية والعلمية والظاهرية والباطنية وعلى أصول جميع الشرائع ، فلا محالة لا يتطرق إليه تبديل وتغيير. (ثُمَّ فُصِّلَتْ) كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد والنبوة والأحكام والمواعظ والقصص ، لكل معنى من هذه المعاني فصل انفرد به. أو جعلت فصولا سورة سورة وآية وآية ، أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة واحدة ، أو فصل فيها تكاليف العباد وبين ما يحتاجون إليه في إصلاح المعاش والمعاد. ومعنى «ثم» التراخي في الحال كقولك : فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل. و (أُحْكِمَتْ) صفة كتاب. و (مِنْ لَدُنْ) صفة ثانية أو خبر بعد خبر أو صلة لأحكمت وفصلت أي من عنده إحكامها وتفصيلها. وفي قوله : (حَكِيمٍ خَبِيرٍ) لف ونشر لأن المعنى أحكمها حكيم وفصلها خبير عالم بمواقع الأمور. احتج الجبائي بقوله : (أُحْكِمَتْ ثُمَّ فُصِّلَتْ) على كون القرآن محدثا لأن الإحكام والتفصيل يكون بجعل جاعل ، وكذا بقوله : (مِنْ لَدُنْ) لأن القديم لا يصدر من القديم. وأجيب بأنه لا نزاع في حدوث الأصوات والحروف وإنما النزاع في الكلام النفسي. وقوله : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) مفعول له أي لأجل ذلك أو يكون «أن» مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القول كأنه قيل : ثم قيل للنبي صلىاللهعليهوسلم قل لهم لا تعبدوا. وجوز في الكشاف أن يكون كلاما مبتدأ منطقعا عما قبله محكيا على لسان النبي صلىاللهعليهوسلم يغري أمته على اختصاص الله بالعبادة كأنه قال : ترك عبادة غير الله مثل (فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] والضمير في (مِنْهُ) لله عزوجل حالا من (نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) أي إنني لكم نذير من جهته إن لم تخصوه بالتعبد ، وبشير إن خصصتموه بذلك. ويجوز أن يكون (مِنْهُ) صلة لنذير أي أنذركم منه ومن عذابه ، ويكون صلة بشير محذوفا أي أبشركم بثوابه. ثم عطف على قوله : (أَلَّا تَعْبُدُوا) قوله : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا) أي اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم. ثم بين الشيء الذي به يطلب ذلك وهو التوبة فقال : (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) فالتوبة مطلوبة لكونها من متممات الاستغفار ، وما كان آخرا في الحصول كان أولا في الطلب ، فلهذا قدم الاستغفار على التوبة. وقيل : استغفروا أي توبوا ثم قال : (تُوبُوا) أي أخلصوا التوبة واستقيموا عليها. وقيل : استغفروا من سالف الذنوب ثم توبوا من أنف الذنوب. وقيل : استغفروا من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة. وقيل : الاستغفار أن يطلب من الله الإعانة في