يهدي نفسك والقرآن يهدي روحك والمولى يهدي قلبك ، والأول قد يحصل وقد لا يحصل (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص : ٥٦] وكذا الثاني (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) [البقرة : ٢٦] وأما هداية القلب فلا تزول البتة لأن الهادي لا يزول (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إلى صراط مستقيم [القصص : ٥٦] وخامسها الكتابة (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) [المجادلة : ٢٢] وفيه أن القرطاس إذا كتب فيه القرآن لم يجز إحراقه ، فقلب المؤمن الذي فيه القرآن وجميع أحكام ذات الله وصفاته كيف يليق بالكريم إحراقه؟ وأيضا إن بشرا الحافي أكرم قرطاسا فيه اسم الله تعالى فنال سعادة الدارين ، فإكرام قلب فيه معرفة الله أولى بذلك. وأيضا إن القرطاس إذا كتب فيه اسم الله الأعظم عظم قدره حتى إنه لا يجوز للجنب والحائض مسه ، فالقلب الذي فيه أكرم الموجودات كيف يجوز للشيطان الخبيث أن يمسه؟ وسادسها (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) [الفتح : ٤] وفيه أن أبا بكر لما نزلت عليه السكينة في الغار قيل له لا تحزن إن الله معنا. فالمؤمن إذا نزلت السكينة في قلبه لا بد أن يقال له عند قبض الروح : لا تخف ولا تحزن كما قال (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا) [فصلت : ٣٠] وسابعها المحبة والزينة كما قال (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ٦] وفيه أن الدهقان إذا ألقى في الأرض حبة فهو لا يفسدها ولا يحرقها ، فهو سبحانه حين ألقى حبة المحبة في أرض القلب كيف يحرقها؟ وثامنها (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) [آل عمران : ١٠٣] وفيه أن محمدا حين ألف بين قلوب أصحابه ما تركهم غيبة ولا حضورا سلام «علينا وعلى عباد الله الصالحين» فأكرم الأكرمين وأرحم الراحمين كيف يتركهم (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس : ٥٨]. وتاسعها الطمأنينة (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد : ٢١] وفيه أن الحاجات غير متناهية وما سوى الله فهو متناه ، والمتناهي لا يقابل غير المتناهي. فالكافي للمهمات لا يكون إلا من له كمالات غير متناهيات فلا يزيل قلق الحوائج واضطراب الأماني إلا الله سبحانه ، وبإزاء هذه الكرامات ورد في حق الكفار أضدادها (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥] (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [التوبة : ١٢٧] (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [البقرة : ١٠] (قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) [المائدة : ١٣] (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) [الكهف : ٥٧] (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [البقرة : ٧] (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٤] (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) [المطففين : ١٤] (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [النحل : ١٠٨] فلأجل تلك الكرامات والهرب من أضدادها قال موسى (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي).
الثامنة : في حقيقة شرح الصدر وذلك أن لا يبقى للقلب التفات إلى الدنيا إلا رغبة