هي الخصومة الواقعة بين الصفين وقلبك وصدرك هو المعركة. ثم إن لهذا الصدر الذي هو القلعة خندقا وهو الزهد في الدنيا ، وله سور وهو الرغبة في الآخرة. فإن كان الخندق عظيما والسور قويا عجز عسكر الشيطان وجنوده فانهزموا ، وإن كان بالضد دخل الشيطان وجنوده من الكبر والهوى والعجب والبخل وسوء الظن بالله ومن النميمة والغيبة وسائر الخصال الذميمة ، وينحصر الملك في القصر ويضيق الأمر عليه. ثم إذا جاء مدد التوفيق وأخرج هذا العسكر من القلعة انفسح وانشرح (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي).
النكتة العاشرة : في الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب. الصدر مقر الإسلام (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الزمر : ٢٢] والقلب مقر الإيمان (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ٦] (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) [المجادلة : ٢٢] والفؤاد مقر المشاهدة (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) [النجم : ١١] واللب مقام التوحيد (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) [الزمر : ٩] أي الذين خرجوا من قشر الوجود المجازي ويقوا بلب الوجود الحقيقي. ثم إن القلب كاللوح المحفوظ في العالم الصغير فإذا ركب العقل سفينة التوفيق وألقاها في بحار أمواج المعقولات من عالم الروحانيات هبت من مهاب العظمة والكبرياء رخاء السعادة تارة ودبور الأدبار أخرى ، فحينئذ يضطر الراكب إلى التماس أنوار الهدايات وطلب انفتاح أبواب السعادات فيقول (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) وإنما سأل موسى شرح الصدر دون القلب لأن انشراح الصدر يستلزم انشراح القلب دون العكس. وأيضا شرح الصدر كالمقدمة لشرح القلب والجواد يكفيه الإشارة ، فإذا علم أنه طالب للمقدمة فلا يليق بكرمه أن يمنعه النتيجة. وأيضا إنه راعى الأدب في الطلب فاقتصر على طلب الأدنى. فلا جرم أعطى المقصود فقال (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) وحين اجترأ في طلب الرؤية بقوله (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] أجيب بقوله (لَنْ تَرانِي). واعلم أن جميع المهيئات الممكنة كالبلور الصافي الموضع في مقابلة شمس القدس ونور العظمة ومشرق الجلال ، فإذا وقع للقلب التفات إليها حصلت له نسبة إليها بأسرها ، فينعكس شعاع كبرياء الإلهية من كل واحد منها إلى القلب فيحرق القلب. ومعلوم أن المحرق كلما كان أكثر كان الاحتراق أتم ، فلهذا قال موسى (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) حتى أقوى على إدراك درجات الممكنات وأصل إلى مقام الاحتراق بأنوار الجلال كما نبينا صلىاللهعليهوسلم «أرني الأشياء كما هي» وهاهنا دقيقة وهي أن موسى لما زاد لفظة (لِي) في قوله (رَبِّ اشْرَحْ لِي) دون أن يقول «رب اشرح صدّري» علم أنه أراد أن تعود منفعة الشرح إليه فلا جرم يقول يوم القيامة «نفسي نفسي» وإن نبينا صلىاللهعليهوسلم لما لم