الكتفين. رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له. فقال اليهودي : إي والله إنها لأسماؤها. وأقول : إن أكثر هذه الأسماء ليست مما اشتهر عند أهل الهيئة ، فإن صح الخبر فهي من العلوم التي تفرد بها الأنبياء. وإفراد الشمس والقمر من الكواكب بعد ذكرها دليل على شرفهما كقوله (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] وإنما كرر الفعل لطول الكلام أو على تقدير سؤال كأنه قيل له : كيف رأيتها؟ فقال : رأيتهم لي ساجدين. والظاهر أن هذه السجدة كانت بمعنى وضع الجبهة إذ لا مانع من حملها على الحقيقة لكنها كانت على وجه التواضع. وإنما أجريت الكواكب مجرى العقلاء في عود الضمير إليها لأن السجود من شأن العقلاء كقوله للأصنام : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٩٨] وعند الفلاسفة هم أحياء ناطقة فلا حاجة إلى العذر. عبر أبوه رؤياه بأن إخوته سيسجدون له وهم أحد عشر ، وكذا أبواه وهما الشمس والقمر. وقيل : هما أبوه وخالته لأن أمه لم تدخل مصر وتوفيت قبل ذلك. وعن وهب أن يوسف رأى ـ وهو ابن سبع سنين ـ أن إحدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدارة التي حول القمر وهي الهالة ، وإذا عصا صغيرة وثبت عليها حتى اقتلعتها وغلبتها فوصف ذلك لأبيه فقال : إياك أن تذكر هذا لإخوتك. ثم رأى ـ وهو ابن اثنتي عشرة سنة ـ الشمس والقمر والكواكب تسجد له فقصها على أبيه فقال له : لا تقصها عليهم فيبغوا لك الغوائل. وقيل : كان بين رؤيا يوسف ومسير إخوته إليه أربعون سنة. وقيل : ثمانون. قال علماء التعبير : إن الرؤيا الردية يظهر أثرها عن قريب كيلا يبقى المؤمن في الغم والحزن ، والرؤيا الجيدة يبطىء أثرها لتكون بهجة المؤمن أدوم. قوله (فَيَكِيدُوا) منصوب بإضمار «أن» جوابا للنهي. واللام في (لَكَ) لتأكيد الصلة مثل «نصحتك» و «نصحت لك». وقال في الكشاف : ضمن الكيد معنى الاحتيال ليفيد معنى الفعلين فيكون أبلغ في التخويف. وقيل : متعلق بالمصدر الذي بعده. ثم إنه وصل بهذه النصيحة شيئا من تعبير رؤياه فقال : (وَكَذلِكَ) أي ومثل اجتبائك لهذه الرؤيا الشريفة (يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) لأمور عظام. والاجتباء افتعال من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك ، وجبيت الماء في الحوض جمعته ، وخصص الحسن الاجتباء بالنبوة. قال في الكشاف (وَيُعَلِّمُكَ) كلام مبتدأ غير داخل في حكم التشبيه كأنه قيل : وهو يعلمك ويتم نعمته عليك. أقول : ولعل إدخاله في حكم التشبيه ليس بضائر. وفي (تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) وجوه منها : أنه تأويل أحاديث الناس فيما يرونه في منامهم ، سمى التعبير تأويلا لأنه يؤول أمره إلى ما رآه في المنام أو يؤول أمر ما رآه في المنام إلى ذلك. والأحاديث اسم جمع للحديث وليس بجمع أحدوثة لأنها التي يتحدث