عالم أو للرسول صلىاللهعليهوسلم والمراد تقوية قلبه وإلا فالرسالة لا تكون إلا بعد العلم بكونه تعالى عالما بكل المعلومات وإلا اشتبه عليه الصادق بالكاذب. (إِنَّ ذلِكَ) الذي ذكر وهو كل ما في السماء والأرض (فِي كِتابٍ) قال أبو مسلم : أراد به الحفظ والضبط كالشيء المكتوب ، والجمهور على أنه حقيقة وقد كتبه في اللوح قبل حدوثه. ولعل في تلك الكتابة لطفا للملائكة لأن مطابقة تلك الأشياء المكتوبة لما سيحدث إلى الأبد من أدل دليل على كونه عالم الذات ولذلك قال (إِنَّ ذلِكَ) الكتب (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) وهذا تصوير لضده وهو صعوبة مثل ذلك على غيره وإلا فلا مدخل لليسر والصعوبة في كمال قدرته.
وحين بين كمال ألوهيته قطع شأن أهل الشرك بقوله (وَيَعْبُدُونَ) الآية والمراد أنهم لم يتمسكوا في صحة عبادته بدليل سمعي ولا علم ضروري وقوله (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) الظلم الشرك ، والنصرة إما بالشفاعة أو بالحجة ولا حجة إلا للحق وهو كقوله في آخر آل عمران (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) [الآية : ١٩٢] وقد مر. والمنكر دلائل الغيظ والحنق. وقال جار الله : هو الفظيع من التجهم والبسور أو هو الإنكار كالمكرم بمعنى الإكرام وقال الكلبي : أراد أنهم كرهوا القرآن مع وضوح دلائله. وقال ابن عباس : هو التجبر والترفع. وقال مقاتل : أنكروا أن يكون من الله تعالى. السطو الوثب والبطش أي يهمون بالبطش والوثوب لعظم إنكار ما تلي عليهم. وقوله (مِنْ ذلِكُمُ) إشارة إلى غيظهم على التالين أو إلى همهم. ثم إنه كأن سائلا قائلا ما ذلك الشر فقيل (النَّارُ) أي هو النار. قلت : وذلك أن حرارة الغيظ والسطو تشبه حرارة النار ولكن هذه أقوى ولا سيما نار جهنم. ثم استأنف للنار حكما فقال (وَعَدَهَا) الآية. ويحتمل أن تكون (النَّارُ) مبتدأ و (وَعَدَهَا) خبرا. ثم ضرب للأصنام مثلا فقال (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) إنما قال بلفظ الماضي لأنه معلوم من قبل لكل ذي عقل. والمثل بمعنى المثل استعاروه لجملة من الكلام مستغربة مستفصحة متلقاة بالرضا والقبول أهل للتسيير والإرسال وذلك أنهم جعلوا مضربها مثلا لموردها ، ثم استعاروا هذا المستعار للقصة أو الحالة أو الصفة المستغربة لتماثلها في الغرابة وهذا هو الذي قصد في الآية : (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) أي تدبروه وحق له ذلك فإن السماع المجرد لا نفع له. قال جار الله : محل (وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) نصب على الحال كأنه قال مستحيل أن يخلقوا الذباب مشروطا عليهم اجتماعهم جميعا فكيف لو انفردوا؟ وأقول : الظاهر أن «لو» هذه للمبالغة وجوابه محذوف لدلالة ما تقدم عليه تقديره ، ولو اجتمعوا لخلق الذباب لن يخلقوه أيضا ، وليس من شرط كل جملة أن يكون لها محل. ثم زاد لعجزهم وضعفهم تأكيدا بقوله (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ) الآية. بمعنى أترك أمر الحلق والإيجاد وتكلم فيما هو أسهل من