جرى على قوم موسى بعد إهلاك عدوهم (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي التوراة (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) ومن الناس من ظن أن هذا الضمير راجع إلى فرعون وملئه. والمعنى أنه خص موسى بالكتب لا للتكذيب ولكن ليهتدوا به ، فلما أصروا على الكفر مع البيان العظيم استحقوا الإهلاك وهو وهم لأن موسى لم يؤت التوراة إلا بعد إهلاك القبط بدليل قوله (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) [القصص : ٤٣] وفي قوله في أول «البقرة» (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) إلى قوله (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الآية : ٥١] والقصة مشهورة. فالصحيح أنه ذكر موسى وأراد قومه كما يقال «هاشم وثقيف» ويراد قومهم نظيره (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) [يونس : ٨٣] وقد مر في آخر «يونس».
ثم أجمل قصة عيسى بقوله (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) وقد مر بيانه في آخر الأنبياء في قوله (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [الآية : ٩٢] قال جار الله : لو قيل آيتين لجاز لأن مريم ولدت من غير مسيس ، وعيسى روح من الله ألقى إليها وقد تكلم في المهد وكان يحيى الموتى مع معجزات أخر. واللفظ محتمل للتثنية على تقدير : وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية ثم حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها. والأقرب حمل اللفظ على الوجه الذي لا يتم إلا بمجموعهما وهو الولادة على الوجه العجيب الناقص للعادة. والربوة بحركات الراء هي الأرض المرتفعة. عن كعب وقتادة وأبي العالية : هي إيليا أرض بيت المقدس وأنها كبد الأرض وأقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلا. وعن الحسن : فلسطين والرملة. ومثله عن أبي هريرة قال : الزموا هذه الرملة رملة فلسطين فإنها الربوة التي ذكرها الله. وقال الكلبي وابن زيد : هي مصر. والأكثرون على أنها دمشق وغوطتها والقرار المستقر من أرض منبسطة مستوية. وعن قتادة : أراد ذات ثمار وماء يعني لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها والمعين الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض من عانه إذا أدركه بعينه فوزنه «معيون» على «مفعول» وقال الفراء والزجاج : إن شئت جعلته «فعيلا» من الماعون وهو ما سهل على معطيه من أثاث البيت ومثله قول أبي علي : المعين السهل الذي ينقاد ولا يتعاصى. وقال جار الله : ووجه من جعله «فعيلا» أنه نفاع لظهوره وجريه من الماعون وهو المنفعة. قال المفسرون : سببب الإيواء أنها قرت بابنها عيسى إلى الربوة وبقيت بها اثنتي عشرة سنة ، وإنما ذهب بها ابن عمها يوسف ثم رجعت إلى أهلها بعد ما مات ملكهم. قوله سبحانه (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ) ليس على ظاهره لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة وفي تأويله وجوه : أحدها الإعلام بأن كل رسول في زمانه نودي بذلك ووصى به ليعتقد السامع أن أمرا نودي له جميع الرسل حقيق أن