مقابلتهم بسوء الأدب مستحسن عقلا وشرعا ، والبيتوتة هي أن يدركك الليل نمت أو لم تنم ، وصفهم بإحياء الليل أو أكثره. وقوله (لِرَبِّهِمْ) إما أن يتعلق بما قبله أو بما بعده أي يبيتون لله على أقدامهم ويفرشون خدودهم ويعفرون جباههم. وقيل : من قرأ شيئا من القرآن في صلاة وإن قل فقد بات ساجدا وقائما. وقيل : هما الركعتان بعد المغرب والركعتان بعد العشاء قاله ابن عباس.
ثم وصفهم بأنهم يقولون في سجودهم وقيامهم (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا) الآية. وقال الحسن : خشعوا بالنهار وتعبوا بالليل خوفا من عذاب جهنم. وقوله : (غَراماً) أي هلاكا وخسرانا ملحا لازما ومنه الغريم لإلحاحه وإلزامه ، وفلان مغرم بالنساء إذا كان مولعا بهن. وسأل ابن عباس نافع بن الأزرق عن الغرام فقال : هو الموجع. وعن محمد بن كعب في (غَراماً) إنه سأل الكفار عن نعمه فما أدّوها إليه فأغرمهم فأدخلهم النار. و (ساءَتْ) إما بمعنى أحزنت وفيها ضمير اسم إن ومستقر حال أو تمييز ، وإما بمعنى بئست وفيها ضمير مبهم يفسره (مُسْتَقَرًّا) والمخصوص بالذم وهو الرابط أيضا محذوف أي ساءت مستقرا ومقاما هي. والظاهر أن الجملتين من قول الداعين. وجوز جار الله أن يكون من كلام الله ، والتعليلان يصح أن يكونا متداخلين بأن يكون قوله (إِنَّها ساءَتْ) تعليلا لقوله (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) وأن يكونا مترادفين كل منهما تعليل لقوله : (رَبَّنَا اصْرِفْ) قال المتكلمون : التعليل الأول إشارة إلى أن عقاب أهل النار مضرة خالصة ، والتعليل الثاني إشارة إلى كونها دائمة وقد يفرق بين المستقر والمقام بأن المستقر للعصاة من أهل الإيمان والمقام للكفار الذين لا خلاص لهم منها. ثم وصفهم بالتوسط في الإنفاق والقتر. والإقتار التضييق نقيض الإسراف ، وكان أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة ولا يلبسون ثيابا للجمال والزينة ، ولكن ما يسد جوعتهم ويستر عورتهم ويكنهم من الحر والقر. عن عمر : كفى شرها أن لا يشتهي رجل شيئا إلا اشتراه فأكله. ثم بالغ في نسبة إنفاقهم إلى الاعتدال بقوله (وَكانَ) أي الإنفاق (بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) والمنصوبان يجوز أن يكونا خبرين وأن يكون الظرف خبرا و (قَواماً) حالا مؤكدة. وقال في الكشاف : يجوز أن يجعل بين ذلك لغوا وقواما مستقرا. ولعل معناه أنه يقوم مقام لفظ المستقر إذا كان متعلقا به في قولك الإنفاق بين ذلك. وقد ذكر مثله في أول «الشعراء» في قوله (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) [الشعراء : ١٥] والقوام العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما ونظير القوام من الاستقامة السواء من الاستواء. وقرىء بكسر القاف وهو ما يقام به الحاجة لا يفضل ولا ينقص. وأجاز الفراء أن يكون (بَيْنَ ذلِكَ) اسم (كانَ) على أنه مبني لإضافته إلى غير متمكن كما يقال : كان