وحد الآية هاهنا لأنه إشارة إلى التوحيد وهو سبحانه واحد لا شريك له. وفي قصة إبراهيم إشارة إلى النبوة وفي النبيين صلى الله عليهم وسلم كثرة. وحيث قوى قلب المؤمنين بالتخصيص المذكور سلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوله (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) لتعلم أن نوحا ولوطا وغيرهما بلغوا الرسالة وبالغوا في إقامة الدلالة ، ولم ينقذوا قومهم من الضلالة والجهالة ، ولهذا قال (اتْلُ) ولم يقل «اتل عليهم» لأن التلاوة بعد اليأس منهم ما كانت إلا لتسلية قلب النبي صلىاللهعليهوسلم. أو نقول : إن الكاتب الإلهي قانون كلي فيه شفاء للصدور فيجب تلاوته مرة بعد أخرى ليبلغ إلى حد التواتر وينقله قرن إلى قرن ويأخذه قوم من قوم إلى يوم النشور. وأيضا فيه من العبر والمواعظ ما يهش لها الأسماع وتطمئن إليها القلوب كالمسك يفوح لحظة فلحظة ، وكالروض يستلذه النظر ساعة فساعة. وفي الجمع بين الأمرين التلاوة وإقامة الصلاة معنيان : أحدهما زيادة تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم كأنه قيل له : إذا تلوت ولم يقبل منك فأقبل على الصلاة لأنك واسطة بين الطرفين ، فإن لم يتصل الطرف الأول وهو من الخالق إلى المخلوق ، فليتصل الطرف الآخر وهو من المخلوق إلى الخالق. والثاني أن العبادات إما اعتقادية وهي لا تتكرر بل تبقى مستمرا عليها. وإما لسانية ، وإما بدنية خارجية وأفضلها الصلاة ، فأمر بتكرار الذكر والصلاة حيازة للفضيلتين ثم علل الأمر بإقامة الصلاة فقال (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) فقال بعض المفسرين : أراد بالصلاة القرآن وفيه النهي عنهما وهو بعيد وقيل : أراد نفس الصلاة وإنما تنهى عنهما ما دام العبد في الصلاة ، وضعف بأنه ليس مدحا كاملا لأن غيرها من الأعمال الفاضلة والمباحة قد يكون كذلك كالنوم وغيره. والذي عليه المحققون أن للصلاة لطفا في ترك المعاصي فكأنها ناهية عنها وذلك إذا كانت الشروط من الخشوع وغيره مرعية. فقد روي عن ابن عباس : من لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا. وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قيل له : إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل. فقال : إن صلاته لتردعه وروي أن فتى من الأنصار كان يصلي معه الصلاة ثم يرتكب الفواحش ، فوصف ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن صلاته ستنهاه ، فلم يلبث أن تاب. وعلى كل حال فالمراعي لأوقات الصلاة لا بد أن يكون أبعد من القبائح. واللفظ لا يقتضي إلا هذا القدر وكيف لا تنهى ونحن نرى أن من لبس ثوبا فاخرا فإنه يتجنب مباشرة القاذورات ، فمن لبس لباس التقوى كيف لا يتجنب الفواحش. وأيضا الصلاة توجب القرب من الله تعالى كما قال (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق : ١٩] ومقرّب الملك المجازي يجل منصبه أن يتعاطى الأشغال الخسيسة فكيف يكون مقرب الملك الحقيقي؟ وأيضا من دخل في خدمة ملك فأعطاه منصبا له مقام خاص مرتفع فإذا دخل وجلس في صف النعال لم يتركه الملك هنالك ، فإذا صار العبد برعاية شروط الصلاة وحقوقها من