إلى المكلفين ، مذكور على لسان أهل السموات والأرضين. والتسبيح في الظاهر هو تنزيه الله من السوء والثناء عليه بالخير في هذه الأوقات لما في كل منها من كل نعمة متجددة. وخص بعضهم التسبيح بالصلاة لما روي عن ابن عباس أنه قال (تُمْسُونَ) صلاتا المغرب والعشاء و (تُصْبِحُونَ) صلاة الفجر (وَعَشِيًّا) صلاة العصر و (يَظْهَرُونَ) صلاة الظهر أمر بالصلاة في أول النهار ووسطه وآخره ، وأمر بالصلاة أول الليل ووسطه وهو العشاء بقوله صلىاللهعليهوسلم «لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك وبتأخير العشاء إلى نصف الليل» ولم يأمر بالصلاة في آخر الليل لأن النوم فيه غالب وإنه منّ على عباده بالاستراحة في الليل بالنوم في مواضع منها قوله (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ) [الروم : ٢٣] كما يجيء. روي عن الحسن أن الآية مدنية بناء على أنه كان يقول : فرضت الصلوات الخمس بالمدينة وكان الواجب بمكة ركعتين في غير وقت معلوم. وقول الأكثر إن الخمس فرضت بمكة. قوله (وَعَشِيًّا) معطوف على (حِينَ) وما بينهما وهو قوله (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) اعتراض. قال جار الله : معناه إن على المميزين كلهم من أهل السموات والأرض أن يحمدوه قلت : فيه أيضا أن الله غني عن تسبيح المسبحين فلو لم يحمده حامد فله استئهال الحمد على الإطلاق ولو حمدوه لعاد نفعه إليهم. وقدم الإمساك لأن الظلمة عدمية والأصل في الأشياء العدم ، وقدم العشي على الظهيرة لأجل الفاصلة أو للتنبيه على فضيلة صلاة العصر ، ولعل في تقديم الاعتراض المذكور على العشي إشارة إلى هذا ومعنى و (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) قد سلف مرارا ويحتمل أن يراد هاهنا اليقظان والنائم لقوله (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) أي من القبور ، فتنبيه النائم بعد اليقظة يشبه الإعادة ، وكذا رد الأرض إلى حالة الخضرة والنضرة بعد ذبولها. عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من قال حين يصبح فسبحان الله حين تمسون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ما فاته من يومه ، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته من ليلته» ثم أراد أن يذكر الحجج الباهرة على استحقاق التسبيح والتحميد له فقال (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ) أي أصلكم أو كلا منكم كما مر في أول الحج (مِنْ تُرابٍ) وذلك أن التراب أبعد الأشياء عن درجة الإحياء لكثافته ولبرودته ويبسه والحياة بالحرارة والرطوبة ، ولكدورته والروح نير ولثقله وخفة الأرواح ولسكونه والحي متحرك حساس. ولا تتنافي بين هذا وبين قوله (خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً) [الفرقان : ٥٤] لأنه أراد الأصل الثاني الذي هو النطفة ، أو أراد أن أصل البشر في الظاهر هو التراب والماء وأما النار فللإنضاج ، والهواء فللاستبقاء كالزق المنفوخ يقوم بالهواء ، و (ثُمَ) لتبعيد الرتبة و (إِذا) للمفاجأة أي ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا. قالوا : فيه إشارة إلى مسألة حكمية وهي أن الله تعالى يخلق أولا إنسانا فيتبعه أنه حيوان تام لا أنه يخلق أولا حيوانا ثم يجعله إنسانا ، فخلق الأنواع هو المراد الأول ثم تكون الأنواع