والشم والذوق فلا حكم ظاهرا لها في باب التمييز بين الأشخاص الإنسانية. وحيث ذكر بعض العرضيات اللازمة أراد أن يذكر الأعراض المفارقة بعضها فقال (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ) قال جار الله : هذا من باب اللف والنشر وتقدير الكلام. ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار ليكون موافقا لما جاء في مواضع أخر كقوله (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) [النبأ : ١٠ ، ١١] وقدم المنام على الابتغاء لأن الاستراحة مطلوبة لذاتها والطلب لا يكون إلا لحاجة قال : وإنما فصل بين القرينتين الأوليين بالقرينتين الآخريين لأنهما زمانان ، والزمان والواقع فيه كشيء واحد مع إعانة اللف على الاتحاد يعني كأنه لم يعطف النهار على الليل والابتغاء على المنام. وجوز أن يراد منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار ، فان الإنسان كثيرا ما ينام بالنهار ويكسب بالليل. وفي اقتران الفضل بالابتغاء إشارة إلى أن العبد ينبغي أن لا يرى الرزق من نفسه وبحذقه بل يرى كل ذلك من فضل ربه. ثم أشار إلى عوارض الآفاق فقال (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ) فأضمر «أن» وأسكن الياء بعد حذفها وإنزال الفعل منزلة المصدر كما في المثل السائر «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» قيل : لما كان البرق من الأمور التي تتجدد زمانا دون زمان ذكره بلفظ المستقبل ولم يذكر معه «أن» وقيل : ومن آياته كلام كاف كما تقول : منها كذا ومنها كذا. وتسكت تريد بذلك الكثرة : وقيل : أراد ويريكم من آياته البرق. وانتصاب (خَوْفاً وَطَمَعاً) كما مر في «الرعد» ثم ذكر بعض لوازم الآفاق قائلا (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) فقيام السموات والأرض استمساكهما بغير عمد ، ومن نسب ذلك إلى الطبيعة فلا بد أن يستند الطبع إلى واجب لذاته وأمره أن يقول لهما كونا كذلك نظيره قوله (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ) إلى قوله (مِنْ بَعْدِهِ) [فاطر : ٤١] واعلم أن الأمر عند المعتزلة موافق للإرادة ، وعند الأشاعرة ليس كذلك. ولكن النزاع في الأمر الذي هو للتكليف لا الذي للتكوين ، فإن قوله (كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] موافق للإرادة بالاتفاق. قال جار الله : قوله (إِذا دَعاكُمْ) بمنزلة قوله (يُرِيكُمُ) في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى كأنه قال : ومن آياته قيام السموات والأرض ، ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاكم مرة واحدة يا أهل القبور اخرجوا والمراد سرعة الخروج من غير توقف وإلا فلا أمر ظاهرا. أو أراد نداء الملك والأرض مكان المدعو على التقديرين لا الداعي إذ لا مكان لله مطلقا ولا للملك في جوف الأرض. نعم ، لو كان المراد أن الملك يدعوهم وهو على وجه الأرض جاز. ومعنى «ثم» عظم ما يكون من ذلك الأمر وتهويل لتلك الحالة ، وإذا الأولى للشرط ، والثانية للمفاجأة نائبة مناب الفاء. واعلم أنه تعالى ذكر في كل باب أمرين : أما من الأنفس فخلق البشر ثم خلقهم زوجين ،