قوله لنذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون تشريفا لأهل الرحمة ، ورحمة الله قريب من المحسنين فكان من حقهم أن يخاطبوا ثم أشار إلى أصل النبوة مع تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) واختصر الكلام فدل بذكر عاقبة الفريقين المجرم والمؤمن عليهما ، فعاقبة المجرمين الذين لم يصدّقوا رسلهم الانتقام منهم ، وعاقبة الذين صدّقوهم النصر والظفر على الأعداء. وفي قوله (حَقًّا عَلَيْنا) تعظيم لأهل الإيمان ورفع في شأنهم وإلا فلا يجب لأحد على الله شيء. ثم أراد أن يشير إلى الأصل الثالث وهو المعاد فمهد لذلك مقدمة منتزعة مما تقدم ذكره وهو بيان إرسال الرياح لأجل إحداث السحاب الماطر المبسوطة بعضها على الاتصال والمتفرق بعضها كسفا أي قطعا. وقوله (فَتَرَى الْوَدْقَ) أي المطر يخرج من خلاله قد مر في النور. ثم ذكر في ضمن ذلك عجز الإنسان وقلة ثباته وتوكله وقوله (مِنْ قَبْلِهِ) مكرر للتأكيد ومعناه الدلالة على أن عهدهم بالمطر تطاول فاستحكم بأسهم وتحقق إبلاسهم. وقيل : أراد أنهم من قبل نزول المطر ، أو من قبل ما ذكرنا من إرسال الريح وبسط السحاب كانوا مبلسين ، وذلك أن عند رؤية السحب وهبوب الرياح قد يرجى المطر فلا يتحقق الإبلاس. ثم صرح بالمقصود قائلا (إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الإبداء والإعادة (قَدِيرٌ).
ثم أكد تزلزل الإنسان وتذبذبه وأنه بأدنى سبب يكفر بنعمة الله فقال (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً) ضارة باردة أو حارة (فَرَأَوْهُ) أي رأوا أثر الرحمة وهو النبات. ومن قرأ آثار فالضمير عائد إلى المعنى لأن آثار الرحمة النبات أيضا واسم النبات يقع على القليل والكثير ، وإنما قال (مُصْفَرًّا) ولم يقل «أصفر» لأن تلك الصفرة حادثة. وقيل : فرأوا السحاب مصفرا لأنه إذا كان كذلك لم يمطر. ثم زاد في تسلية رسوله بقوله (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) إلى قوله (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) وقد مر في آخر النمل. ثم أعاد من دلائل التوحيد دليلا آخر من الأنفس وهو خلق الآدمي وذكر أحواله وأطواره وتقلبه من ضعف الطفولية إلى قوة الشباب والكهولة ومنها إلى ضعف الهرم. وفي قوله (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) إشارة إلى أن أساس أمر الإنسان الضعف كقوله (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء : ٣٧] وقيل : من ضعف أي من نطفة. وهذا الترديد في الأطوار المختلفة أظهر دليل على وجود الصانع العليم القدير. وقوله (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) كقوله في دليل الآفاق (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) [الروم : ٤٨] والكل إشارة إلى بطلان القول بالطبيعة المستقلة. ثم عاد إلى ذكر المعاد وأحوال القيامة ، وذكر أن الكفار يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء الدنيا إلى البعث ، وأن أهل العلم والإيمان وهم الملائكة والأنبياء وغيرهم حالهم بالعكس. وذلك أن