اللعن وقد علموا أن العذاب حاصل فطلبوا ما ليس بحاصل وهو زيادة العذاب وكثرة اللعن أو عظمه. قوله (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) قال المفسرون : نزلت في شأن زيد وزينب وما سمع فيه من قالة بعض الناس. وإيذاء موسى هو حديث المومسة التي أرادها قارون على قذف موسى ، أو حديث الأدرة أو البرص الذي قرفوه بذلك ففر الحجر بثوبه حتى رأوه عريانا وقد مر في «البقرة». وقيل : اتهامهم إياه بقتل هارون وكان قد خرج معه إلى الجبل فمات هناك فحملته الملائكة ومروا به عليهم ميتا حتى أبصروه فعرفوا أنه غير مقتول ، أو أحياه الله عزوجل فأخبرهم ببراءة موسى ومعنى (مِمَّا قالُوا) من مؤدى قولهم أو من مضمون مقولهم (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) ذا جاه ومنزلة فلذلك كان يذب ويدفع عنه المثالب والمطاعن كما يفعل الملك بمن له عنده قربة. وروي عن شنبوذ وكان عبدا لله. ثم أشار إلى ما ينبغي أن يكون المؤمن عليه فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) والمعنى راقبوا الله في حفظ ألسنتكم وتقويم أمركم بسداد قولكم ، فبتقوى الله يصلح العمل وبصلاح العمل تكفر السيئات وترفع الدرجات. أمرهم أوّلا بالتخلية وهي ترك الإيذاء وثانيا بالتحلية وهي التقوى الموجبة لتحصيل الأخلاق الفاضلة ، ثم علق الفوز العظيم بالطاعة المسماة بالأمانة في قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) فقيل : العرض حقيقة. وقيل : أراد المقابلة أي قابلنا الأمانة بالسماوات فرحجت الأمانة. والعرض أسهل من الفرض ولهذا كفر إبليس بالإباء ولم يكفر هؤلاء بالإباء لأن هناك استكبارا وهاهنا استصغارا بدليل قوله (وَأَشْفَقْنَ مِنْها) وقد يقال : المضاف محذوف أي عرضناها على أهل السموات والأرض والجبال وإنما صير إلى هذا التكلف لاستبعاد طلب الطاعة من الجمادات ، ولم يستبعده أهل البيان لأن المراد تصوير عظم الأمانة وثقل حملها فمثلت حال التكليف في صعوبته وثقل محمله بحالة المتحملة المفروضة لو عرضت على هذه الأجرام العظام. واعلم أن التكليف هو الأمر بخلاف ما في الطبيعة ، فهذا النوع من التكليف ليس في السموات والأرض والجبال لأن السماء لا يطلب منها الهبوط ، والأرض لا يطلب منها الصعود ولا الحركة ، والجبال لا يطلب منها السير ، وكذا الملائكة ملهمون بالتسبيح والتقديس. وسمي التكليف أمانة لأن من قصر فيه فعليه الغرامة ومن أداه فله الكرامة. فعرض الأمانة بهذا المعنى على هذه الأجرام وإباؤها من حملها هو عدم صلوحها لهذا الأمر ، أو المراد هو التصوير المذكور. وقد خص بعضهم التكليف بقول «لا إله الا الله». والأظهر عندي أن الأمانة هي الاستعداد الذي جبل كل نوع من المخلوقات عليه ، وحمل الأمانة عبارة عن عدم أداء حقها كما يقال : فلان ركب عليه الدين. فكل من أخرج ما في قوته إلى الفعل فهو مؤدّ للأمانة وقاض حقها وإلا فهو حامل لها. ولا ريب أن