غيرها. ولا ينافي في هذا قوله (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣] لأن وزر الإضلال هو وزر النفس الوزارة أيضا ، وفيه أن كل نفس وازرة مهمومة بهم وزرها متحيرة في أمرها. ثم زاد في التهويل بقوله (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) أي نفس ذات حمل (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) فإن عدم قضاء الحاجة بعد السؤال أفظع. ثم زاد التأكيد بقوله (وَلَوْ كانَ) أي المدعوّ (ذا قُرْبى) فإن عدم القضاء بعد السؤال من القريب من أب وولد أدل على شدّة الأمر فيعلم منه أن لا غياث يومئذ أصلا. ثم بين أن هذه الإنذارات إنما تفيد أهل الخشية والطاعة حال كونهم غائبين عن العذاب أو حال كون العذاب غائبا عنهم. ثم لما بيّن أن الوزر لا يتعدى إلى الغير بيّن أن التطهر عن الذنوب لا يفيد إلا نفس المتزكي (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) لكل فيجزيهم على حسب ذلك. ثم ضرب للكافر والمؤمن مثلا فقال (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) وقيل : إنه مثل للصنم وللمعبود الحق. ثم ذكر للكفر والإيمان مثلا قائلا (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) وإذا كان الإيمان نورا والمؤمن بصيرا فلا يخفى عليه النور ، وإذا كان الكفر ظلمة والكافر أعمى فله صادّ فوق صادّ. ثم بيّن لمآلهما ومرجعهما مثلا وهو الظل والحرور. قال أهل اللغة : السموم يكون بالنهار والحرور أعم. وقال بعضهم : الحرور يكون بالليل فالمؤمن بإيمانه كمن هو في ظل وراحة ، والكافر في كفره كمن هو حرّ وتعب.
وهاهنا مسائل. الأولى : ضرب أوّلا مثلا للكافر والمؤمن ثم أعاد مثلهما بقوله (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) وهذا أبلغ لأن الأعمى والبصير قد يشتركان في إدراك أشياء ولا كذلك الحي والميت ولمكان هذه المبالغة أعاد الفعل. الثانية : كرر «لا» النافية في الأمثال الأخيرة دون الأوّل ، لأن المنافاة بين العمى والبصر ليست ذاتية كما في سائرهما وقد يكون شخص واحد بصيرا بإحدى العينين أعمى بالأخرى. الثالثة : قدم الأشرف في مثلين وهو الظل والحيّ ، وأخره في الآخرين فهم أهل الظاهر أن ذلك لرعاية الفواصل. والمحققون قالوا : إنهم كانوا قبل البعث في ظلمة الضلال فصاروا إلى نور الإيمان في زمان محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلهذا الترتيب قدّم مثل الكافر وكفره على مثل المؤمن وإيمانه. ولما ذكر المآل والمرجع قدم ما يتعلق بالرحمة على ما يتعلق بالغضب لأن رحمته سبقت غضبه. ثم إن الكافر المصرّ بعد البعثة صار أضلّ من الأعمى وشابه الأموات في عدم إدراك الحق فقال (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ) أي المؤمن الذي آمن بما أنزل الله. والأموات الذين تليت عليهم الآيات ولم تنجع فيهم البينات فأخرهم عن المؤمنين لوجود حياتهم قبل ممات الكافرين المعاندين. الرابعة : إنما وحد الأعمى والبصير لأن المراد أن أحد الجنسين لا يساوي جنس الآخر من جهة العمى والبصر ، ولعل فردا من أحدهما قد يساوي الفرد الآخر من جهة أخرى