الأرض جاء الفرج. وقيل : إنه وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودي يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا. فنظر فإذا جبرائيل عليهالسلام معه كبش أقرن أملح فكبر جبرائيل والكبش وإبراهيم وابنه وأتى المنحر من منى فذبحه وذلك قوله سبحانه (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) والفداء جعل الشيء مكان غيره لدفع الضرر عنه. والذبح اسم لما يذبح كالطحن لما يطحن. وقوله (عَظِيمٍ) أي سمين ضخم الجثة بالقياس إلى أمثاله وهي السنة في الأضاحي. قال صلىاللهعليهوسلم «استشرفوا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم». والاستشراف جعلها شريفة وكريمة. وعن سعيد بن جبير : حق له أن يكون عظيما وقد رعى في الجنة أربعين خريفا. وفي قول ابن عباس : إنه الكبش الذي قربه هابيل فقبل منه وكان يرعى في الجنة إلى أن فدى به إسماعيل. وقيل : سمي عظيما لعظم قدره حيث قبله الله تعالى فداء عن ولد خليله. وقيل : وصفه بالعظم لبقاء أثره إلى يوم القيامة فإنه ما من سنة إلا ويذبح بسبب ذلك من الأنعام ما لا يحصيه إلا الله. وعن الحسن. أنه وعل أهبط عليه من ثبير. وقال السدّي : نودي إبراهيم فالتفت فإذا هو بكبش أملح ينحط من الجبل فقام عند إبراهيم عليهالسلام فذبحه وخلى ابنه.
استدل بعض الأصوليين من أهل السنة بالآية على جواز نسخ الحكم قبل حضور وقته. وقالت المعتزلة. وكثير من فقهاء الشافعية والحنفية بعدم الجواز لاستلزامه البداء أو الجهل ، وزعموا أنه تعالى أمر إبراهيم في المنام بمقدمات الذبح كاضجاع ابنه ووضع السكين على حلقه ، والعزم الصحيح على الإتيان بذلك الفعل أوان ورود الأمر. سلمنا أنه أمر بنفس الذبح لكن لم يجوز أنه قطع الحلقوم إلا أنه كان يلتئم جزءا فجزءا فلهذا قيل له (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا). والفداء فضل من الله في حقه وتعظيم له بدلا من عدم وقوع الذبح في الظاهر ولهذا قال (وَفَدَيْناهُ). بإسناد الفداء إلى ذاته تعالى. والحق أن نسخ الحكم قبل وقته لا يدل على البداء والعبث كما أنه بعد الوقت لا يدل على ذلك فقد يكون غرض الآمر أن يعلم أن المأمور هل يعزم على الفعل ويوطن نفسه على الانقياد والطاعة أم لا. وتصديق الرؤيا يكفي فيه الإتيان بمثل هيئة الذبح ، فمن الرؤيا ما يكون تأويلها بالشبيه كرؤيا يوسف ، والفداء زيادة تشريف وتكريم ووضع سنة مؤكدة. وروي أن الكبش هرب من إبراهيم عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فبقيت سنة في الرمي. وروي أنه لما ذبحه قال جبرائيل : الله أكبر الله أكبر. فقال الولد الذبيح : لا إله إلا الله والله أكبر. فقال إبراهيم : الله أكبر ولله الحمد. فبقي سنة. قوله (وَتَرَكْنا) إلى قوله (الْمُؤْمِنِينَ) قد مر نظيره في قصة نوح إلا أنه لم يقل هاهنا (فِي الْعالَمِينَ) اكتفاء بما علم في قصة نوح. ولم يقل هاهنا (إِنَّا