الريح حتى هوت به في بعض المطاوح السحيقة البعيدة. وإن كان مفرقا فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء ، والذي تركه فأشرك فقد سقط منها والإهواء التي توزع أفكاره بالطير المتخطفة ، وفي المثل الآخر شبه الشيطان الذي يطرح به في وادي الضلالة بالريح التي تهوي بالأشياء في المهاوي المتلفة. وتعظيم شعائر الله وهي الهدايا كما مر في أول «المائدة» هي أن يختارها عظام الأجرام غالية الأثمان. وقد مر وصفها الشرعي في «البقرة» في قوله (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [الآية : ١٩٦] وقد أهدى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب قال في الكشاف (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى من ليرتبط به. وأقول : في هذا الوجوب نظر لأنه ليس بشرعي ولا بعقلي على ما تزعم المعتزلة. أما المضاف الأول فلأنه يحتمل أن يعود الضمير إلى التعظيم بمعنى الخلة ، وأما الآخران فلأن «من» للعموم فلا يلزم أن يقدر لفظة منه ، أو فاعل التعظيم موحدين حتى لا يطابقها لفظ القلوب بل يحتمل أن يقدر لفظة منهم أو يقدر فإن تعظيمهم إياها فيرجع الكلام إلى قولنا (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) فإن تلك الخلة منهم من تقوى القلوب أي ناشئة من تقوى قلوبهم ، فإن القلوب مراكز التقوى التي منها عيارها وعليها مدارها ولا عبرة بما يظهر من آثارها على سائر الجوارح دونها. ثم كان لسائل أن يسأل : ما بال هذه الحيوانات تذبح فيتقرب بها إلى الله تعالى؟ فلهذا قال (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ) يعني الدنيوية من الدر وركوب الظهر وسيشير إلى الدينية بقوله (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) ولهذا أطلق ذلك وقيد هذه بقوله (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو أوان النحر. ثم بين أن وجوب نحرها أو وقت وجوب نحرها أو مكان نحرها منته إلى البيت أو إلى ما يجاوره ويقرب منه وهو الحرم كما مر في قوله (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة : ٩٥] ومثله قوله «بلغنا البلد» إذا شارفوه واتصل مسيرهم بحدوده. قال القفال : هذا إنما يختص بالهدايا التي بلغت مني ، فأما إذا عطبت قبل بلوغ مكة فإن محلها هو موضعها. روى أبو هريرة أنه صلىاللهعليهوسلم مر برجل يسوق بدنة وهو في جهد فقال صلىاللهعليهوسلم : اركبها فقال : يا رسول الله إنها هدي. فقال : اركبها ويلك. وعن جابر أنه صلىاللهعليهوسلم قال : اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهرا. وهذا هو الذي اختاره الشافعي. وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز الانتفاع بها لأنه لا يجوز إجارتها ولو كان مالكا لمنافعها لملك عقد الإجارة عليها. وضعف بأن أم الولد لا يمكنه بيعها ويمكنه الانتفاع بها. وممن ذهب إلى هذا القول من فسر الأجل المسمى بوقت تسميتها هديا ، والمراد أن لكم أن تنتفعوا بهذه الأنعام إلى أن تسموها أضحية وهديا فإذا فعلتم ذلك فليس لكم أن تنتفعوا بها. وقد ينسب هذا القول إلى ابن عباس