ومجاهد وعطاء وقتادة والضحاك. أجاب الأولون بأن الضمير في قوله (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ) عائد إلى الشعائر ، وتسمية ما سيجعل شعيرة مجاز والأصل عدمه. قال في الكشاف : «ثم» للتراخي في الوقت فاستعيرت للتراخي في الأحوال ، والمعنى إن لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم ، وأعظم هذه المنافع وأبعدها شوطا في النفع محلها منتهية إلى البيت. ومنهم من فسر الشعائر بالمناسك كلها وفسر الأجل المسمى بأوان انقطاع التكليف ، وزيفه جار الله بأن محلها إلى البيت يأباه ، ثم بين أن القرابين في الشرائع القديمة وإن اختلفت أمكنتها وأوقاتها فقال (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) موضعا أو وقتا يذبح فيه النسائك الذبائح كسر السين سماع وفتحها قياس. ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى النسك والمراد شرعنا لكل أمة من الأمم السالفة من زمن إبراهيم إلى من قبله وبعده أن ينسكوا له أي يذبحوا لوجهه على جهة التقرب وجعل الغاية في ذلك هي أن يذكر اسمه على نحرها ، ثم بين العلة في تخصيص اسمه بذلك قائلا (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لأن تفرده بالإلهية يقتضي أن لا يذكر على الذبائح إلا اسمه. ويجوز أن يتعلق هذا الكلام بأول الآية ، والمعنى إنما اختلفت التكاليف باختلاف الأزمنة والأشخاص لاختلاف المصالح لا لتعدد الإله. ثم ذكر أن تفرده بالإلهية يقتضي اختصاصه بالطاعة قائلا (فَلَهُ أَسْلِمُوا) أي خصوه بالانقياد الكلي والامتثال لأوامره ونواهيه خالصا لوجهه من غير شائبة إشراك. ثم أمر نبيه عليهالسلام بتبشير المخبتين وفسرهم بقوله (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) والتركيب يدور على التواضع والخشوع ومنه الخبت للمطمئن من الأرض. وعن عمرو بن أوس : هم الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا. قال الكلبي : هم المجتهدون في العبادة. ثم عطف على المخبتين قوله (وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ) أي من المكاره في ذات الله كالأمراض والمحن ، فأما الذي يصيبهم من قبل الظلمة فقد قال العلماء : إنه لا يجب الصبر عليه ولكن لو أمكن الدفع وجب دفعه ولو بالقتال. ثم خص من أنواع التكاليف التي تشق على النفس وتكرهها نوعين هما أشرف العبادات البدنية والمالية أعني الصلاة والزكاة وقوله (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) عطف على (الْمُقِيمِي الصَّلاةِ) من حيث المعنى كأنه قيل : والذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. ثم عاد إلى تعظيم شأن الضحايا مرة أخرى وخص منها العظام الجسام بقوله (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها) هي بضم الدال وسكونها جمع بدنة وهي الإبل خاصة لعظم بدنها إلا أن الشارع ألحق البقرة بها حكما. قال أبو حنيفة ومحمد : لو قال : عليّ بدنة يجوز له نحرها في غير مكة. وقال أبو يوسف : لا يجوز إلا بمكة بناء على أن البدنة مختصة بناقة أو بقرة تذبح هناك. واتفقوا فيما إذا نذر هديا أنه يجب ذبحه بمكة ، وفيما إذا أنذر جزورا أنه يذبحه