(سَواءً) بالنصب فمعناه مستويا والظاهر بعده فاعله ويكون انتصابه على البدل من ثاني مفعولي (نَجْعَلَهُمْ) وهو الكاف. ومن قرأ بالرفع فخبر و (مَحْياهُمْ) مبتدأ والجملة بدل أيضا لأن الجملة تقع مفعولا ثانيا. والمعنى إنكار أن يستوي الفريقان حياة وموتا ، لأن المحسنين عاشوا على الطاعة وإنهم عاشوا على المعصية ومات أولئك على البشرى والرحمة ، ومات هؤلاء على الضد. وقيل: معناه إنكار أن يستويا في الممات كما استووا في الحياة من حيث الصحة والرزق ، بل قد يكون الكافر أرجح حالا من المؤمن. فالفرق المقتضي لسعادة المؤمن وشقاوة الكافر إنما يظهر بعد الوفاة. وقيل: إنه كلام مستأنف ، والمراد أن كلا من الفريقين يموت على حسب ما عاش عليه لقوله صلىاللهعليهوسلم «كما تعيشون تموتون» وحين أفتى بأن المؤمن لا يساويه الكافر في درجات السعادات استدل على صحة هذه الدعوى بقوله (وَخَلَقَ اللهُ) الآية. قال جار الله: (وَلِتُجْزى) معطوف على (بِالْحَقِ) لأنه في معنى التعليل أي للعدل ، أو ليدل بها على قدرته وللجزاء. ويجوز أن يكون المعلل محذوفا وهو فعلنا ونحوه. والحاصل أن الغاية من خلق السماء والأرض كان هو الإنسان الكامل فكيف يترك الله جزاءه وجزاء من هو ضده والتميز بينهما بموجب العدالة. ثم قرر أسباب ضلال المضلين قائلا (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) أي يتبع ما تدعو إليه نفسه الأمارة وقد مر في الفرقان (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) بحاله أنه من أهل الخذلان والقهر ، أو على علم الضلال في سابق القضاء ، أو على علم بوجوه الهداية وإحاطته بالألطاف المحصلة لها. وقيل: أراد به المعاند لأن ضلاله عن علم (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ) إضلال (اللهُ) قال بعض العلماء: قدم السمع على القلب في هذه الآية وبالعكس في «البقرة» لأن كفار مكة كانوا يبغضونه بقلوبهم وما كانوا يستمعون إليه وكفار المدينة ، كانوا يلقون إلى الناس أن النبي صلىاللهعليهوسلم شاعر وكاهن وأنه يطلب الملك والرياسة ، فالسامعون إذا سمعوا ذلك أبغضوه ونفرت قلوبهم عنه. ففي هذه الصورة على هذا التقدير كان الأثر يصعد من البدن إلى جوهر النفس ، وفي الصورة الأولى كان الأثر ينزل من جوهر النفس إلى قرار البدن ، فورد ما في كل سورة على ترتيبه. ثم ذكر من أسباب الضلال سببا آخر وهو إنكارهم البعث معتقدين أن لا حياة إلا هذه. وليس قولهم الدنيا تسلما لثانية وإنما هو قول منهم على لسان المقرين وبزعمهم (نَمُوتُ وَنَحْيا) فيه تقديم وتأخير على أن الواو لا توجب الترتيب. وقيل: يموت الآباء وتحيا الأبناء وحياة الأبناء حياة الآباء ، أو يموت بعض ، ويحيا بعض ، أو أرادوا بكونهم أمواتا حال كونهم نطفا ، أو هو على مذهب أهل التناسخ أي يموت الرجل ثم تجعل روحه في بدن آخر. ثم إنهم لم يقنعوا بإنكار المعاد حتى ضموا إليه إنكار المبدأ قائلين (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) اعتقدوا أن تولد الأشخاص وكون