من قائل (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران: ٢٨] أي للناس بين يدي الله وقوف وفيه بيان وقت الجزاء. وقد يقال: المراد به التوحيد وهو تأويل أهل العرفان. والحكماء يستدلون به على وجود الصانع فإن الممكن لا بد أن ينتهي إلى الواجب. وقيل: أراد أن البحث والإدراك ينتهي عنده كما قيل: إذا بلغ الكلام إلى الله فأمسكوا. وعن أنس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «إذا ذكر الرب فانتهوا» والخطاب عام لكل سامع مكلف وفيه تهديد للمسيء ووعد للمحسن: وقيل: الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وفيه تسلية له. ثم بين غاية قدرته وهي إيجاده الضدين الضحك والبكاء والإماتة والإحياء في شخص واحد ، وكذا الذكورة والأنوثة في مادة واحدة هي النطفة نطفت إذا تمنى تدفق في الرحم. يقال: منى وأمنى. وقال الأخفش: تخلق والمنى والتقدير وفيه إبطال قول الطبيعيين أن مبدأ الضحك قوة التعجب ، ومبدأ البكاء رقة القلب ، وإن الحياة مستندة إلى الطبيعة كالنبات ، والموت أمر ضروري وهو تداعي الأجزاء العنصرية إلى الانفكاك بعد اجتماعها على سبيل الاتفاق أو لاقتضاء سبب سماوي من اتصال أو انفصال وذلك أن انتهاء كل ممكن إلى الواجب واجب. قوله (أَماتَ وَأَحْيا) إما لأجل الفاصلة أو لأنه اعتبر حالة كون الإنسان نطفة ميتة. قال الأطباء: الذكر أسخن وأجف والأنثى أبرد وأرطب. وقالوا في نبات شعر الرجل: إن الشعور تتكون من بخار دخاني منجذب إلى المسام فإذا كانت المسام في غاية الرطوبة والتحلل كما في مزاج الصبي والمرأة ، لا ينبت الشعر لخروج تلك الأدخنة من المسام الرطبة بسهولة قبل أن يتكون شعرا. وإذا كانت في غاية اليبوسة والتكاثف لم ينبت لعسر خروجه من المخرج الضيق وإنما يندفع كثرة تلك الأبخرة إلى الرأس حتى رأس المرأة والصبي لأنه مخلوق كقبة فوق الأبخرة والأدخنة فيتصاعد إليها. وأما في الرجل فيندفع إلى صدره كثيرا لحرارة القلب. وإلى آلات التناسل لحرارة الشهوة ، وإلى اللحيين لكثرة الحرارة بسبب الأكل والكلام ومع حرارة الأبخرة ، ومن شأن الحرارة جذب الرطوبة كجذب السراج الزيت. هذا أقوى ما قالوا في هذا الباب. ويرد عليه أنه ما السبب لتلازم شعر اللحية وآلة التناسل فإنها لو قطعت لم تنبت اللحية ، ولو سلم التلازم من حيث إن حرارة الخصيان تقل بسبب قطع آلة الشهوة فلا بد أن يعترفوا بانتهاء جميع الممكنات إلى الواجب بالذات.
واعلم أنه سبحانه في هذه الآية وسط الفصل بين الاسم والخبر حيث كان توهم الحملية فيه أكثر وترك الفصل حيث لم يكن كذلك. ففي آيات الضحك والبكاء والإماتة والإحياء وسط الفصل للتوهمات المذكورة حتى قال نمرود (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) [البقرة: