المفسرين خصوه فحملوه على أنه اسم نهر في الجنة. عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم «رأيت نهرا في الجنة حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فضربت بيدي إلى مجرى الماء فإذا أنا بمسك أذفر فقلت: ما هذا؟ فقيل: هو الكوثر الذي أعطاك الله» وفي رواية «ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طيور خضر لها أعناق كأعناق البخت من أكل من ذلك الطير وشرب من ذلك الماء فاز بالرضوان» قال أهل المعنى: ولعله إنما سمى كوثرا لأنه أكثر أنهار الجنة ماء وخيرا ، أو لأن أنهار الجنة تتفجر منه كما روي أنه ما في الجنة بستان إلا وفيه من الكوثر نهر جار أو لكثرة شاربيه. وقد يقال: إن الكوثر حوض في الجنة على ما ورد في الأخبار فلعل منبعه حوض ومنه تسيل الأنهار ، والقول الثالث أن الكوثر أولاده لأن هذه السورة نزلت ردا على من زعم أنه الأبتر كما يجيء والمعنى أنه يعطيه بفاطمة نسلا يبقون على مر الزمان. فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم مملوء منهم ، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به ، والعلماء الأكابر منهم لا حد ولا حصر لهم. منهم الباقر والصادق والكاظم والرضي والتقي والنقي والزكي وغيرهم. القول الرابع: الكوثر علماء أمته لأنهم كأنبياء بني إسرائيل واختلافهم في فروع الشريعة رحمة كما كان اختلاف الأنبياء في الفروع رحمة مع اتفاقهم على الأصول فالتوحيد والنبوة والمعاد كأصول الشجرة وأديان الأنبياء كشعبها الكبار ، والمذاهب كالأغصان المتفرعة عن الشعب. الخامس: الكوثر النبوة ولا يخفى ما فيها من الخير الكثير لأنها ثانية رتبة الربوبية ولهذا كانت طاعة الرسول طاعة الله ثم لرسولنا الحظ الأوفر من هذه الفضيلة لأنه المذكور قبل سائر الأنبياء والمبعوث بعدهم ، ثم هو مبعوث إلى الثقلين ولن يصير شرعه منسوخا وله كل معجزة كانت لغيره من الأنبياء المشهورين ، وكتاب آدم كان كلمات كما قال (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) [البقرة: ٣٧] وكتاب ابراهيم وموسى كان كلمات وصحفا (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) [البقرة: ١٢٤] و (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى: ١٩] وكتاب محمد صلىاللهعليهوسلم مهيمن على الكل كما قال (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة: ٤٨] وإن آدم عليهالسلام تحدى بالكلمات والأسماء (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) [البقرة: ٣١] ومحمد صلىاللهعليهوسلم إنما تحدى بالمنظوم (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) [الإسراء: ٨٨] الآية. وأما نوح عليهالسلام فإن الله أكرمه بأن أمسك سفينته على الماء ، وفي حق محمد صلىاللهعليهوسلم وقف الحجر على الماء. وروي أنه صلىاللهعليهوسلم كان على شط ماء ومعه عكرمة بن أبي جهل فقال: إن كنت صادقا فادع ذلك الحجر الذي هو في الجانب فليسبح ولا يغرق ، فأشار الرسول صلىاللهعليهوسلم إليه فانقلع الحجر من مكانه وسبح حتى صار بين يدي الرسول صلىاللهعليهوسلم وشهد له بالرسالة. فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم: يكفيك هذا؟ قال: حتى يرجع إلى مكانه. فأمره النبي صلىاللهعليهوسلم فرجع إلى مكانه.