.................................................................................................
______________________________________________________
(وأمّا) ثالثا فلما فيه من الاعتماد على الله سبحانه والوثوق بما عنده ، ولا يكون نفسه متطلّعة الى أحد من المخلوقين قريبا كان أو بعيدا حتى لو كان أبا أو ابنا ، فان الطلب الى الله تعالى وتوقع العناية أفضل من الأخذ منهم ، أو ما سمعت حكاية داود عليه السّلام ، فإنه كان يتوخّى من تلقاه من بني إسرائيل ممن لا يعرفه فيسأله عن حالته؟ فيثني عليه حتى لقي رجلا فسأله؟ فقال : نعم العبد لو لا خصلة فيه ، فقال : وما هي؟ قال : انه يأكل من بيت المال ، فبكى داود عليه السّلام وعلم انه قد أتي. فأوحى الله عزّ وجلّ الى الحديد : ان لن لعبدي داود ، فألان الله له الحديد فكان يعمل كلّ يوم درعا يبيعها بألف درهم ، فعمل عليه السّلام ثلاثمائة وستين درعا ، فباعها بثلاثمائة وستين ألفا فاستغنى عن بيت المال (١).
وإيّاك ثمَّ إيّاك والتجرّي على الدين ، فإنه مجلبة للهمّ ومشغلة للذمم ومسبتة للفكر ، وهو في الدنيا مذلّة وفي الآخرة تبعة : وحمل الى مسجد النبي صلّى الله عليه وآله ميّت ليصلي عليه السّلام عليه فقال : على ميّتكم دين؟ فقالوا : نعم درهمين يا رسول الله ، قال : تقدّموا فصلّوا على ميّتكم ، فقال على عليه السّلام : ضمنتها عنه يا رسول الله ، فقال : فكّ الله رهانك كما فككت رهان أخيك ، ثمَّ تقدّم فصلّى عليه (٢) وقد ورد رخصة في إباحته إذا كان له وليّ يقضيه أو مال يؤدّى عنه ، والأفضل تركه والطلب إلى الله بالغنى عنه بالتسبيب والتمعّس (٣) ففيه مع اشتماله على تفريغ الذمة من حقوق المخلوقين ، والراحة من الفكر ، مواساة الصالحين والفوز بثواب الكادّين ، حيث يقول عليه السّلام : الكادّ على عياله من حلال كالمجاهد في سبيل
__________________
(١) عوالي اللئالى : ج ٣ ص ١٩٩ الحديث ١٨ وفي الفروع : ج ٥ ص ٧٤ الحديث ٥ وفيه (اوحى الله عزّ وجلّ الى داود عليه السّلام انك نعم العبد إلّا انّك تأكل من بيت المال إلخ).
(٢) سنن الدار قطني : ج ٣ ص ٤٧ كتاب البيوع الحديث ١٩٤ وصفحة ٧٨ الحديث ٢٩١ و ٢٩٢.
(٣) تمعس في الحرب : حمل ورجل معّاس ومتمعّس : مقدام (لسان العرب : ج ٦ لغة معس).