واستروح كبده الملتهب رائحة الماء وأحسّ ببرده إلا أنّه تذكر وصية أبيه ، وثار فيه الوفاء الذي ما بارحه آناً من حياته المباركة ، فرمى الماء من كفه وقال : والله لا أشربه وأخي الحسين عليهالسلام وعياله وأطفاله عطاشى ، لا كان ذلك أبداً ، وأنشأ يقول :
يا نفس من بعد الحسين هوني |
|
وبعده لا كنت أن تكوني |
هذا الحسين وارد المنون |
|
وتشربين بارد المعين |
هيهات ما هذا فعال ديني |
|
ولا فعال صادق اليقين (١) |
ولنعم ما قيل :
بذلت أيا عباس نفساً نفيسة |
|
لنصر حسين عز بالجد عن مثل |
أبيت التذاذ الماء قبل التذاذه |
|
فحسن فعال المرء فرع عن الأصل |
فأنت أخو السبطين في يوم مفخر |
|
وفي يوم بذل المال أنت أبو الفضل |
وكان في عسكر عمر بن سعد رجل يقال له «المارد بن صديف التغلبي» فلما نظر إلى ما فعله العباس من قتل الأبطال ، خرق أطماره ولطم على وجهه ، ثم قال لأصحابه : لا بارك الله فيكم ؛ أما والله لو أخذ كلّ واحد منكم ملأ كفّه تراباً لطمرتموه ، ولكنكم تظهرون النصيحة وأنتم تحت الفضيحة.
ثم نادى بأعلى صوته : أقسم على من كان في رقبته بيعة للأمير يزيد ، وكان تحت الطاعة إلّا اعتزل عن الحرب وأمسك عن النزال فأنا لهذا الغلام!! الذي قد أباد
__________________
(١) معالي السبطين ١ / ٤٤٦ المجلس ٢٠.