الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما خشن ، كان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، وينبئنا إذا استنبأناه ، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له ، يعظم أهل الدين ، ويقرّب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله.
وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه ، قابضاً على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكى بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غري غيري ، إليّ تعرضت؟! أم اليّ تشوّقت؟! هيهات! هيهات! قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها ، فعمرك قصير ، وخطرك حقير ، آه من قلة الزاد ، وبعد السفر ووحشة الطريق.
فبكى معاوية وقال : رحم الله أبا الحسن كان ـ والله ـ كذلك (١) ...
وقال معاوية : والله لو كان عند علي جبل من تبن وجبل من تبر لأنفق تبره قبل تبنه.
روى ابن المغازلي وغيره مسنداً عن عائشة قالت : رأيت أبا بكر يكثر النظر إلى وجه علي فقلت : يا أبة أراك تكثر النظر إلى وجه علي عليهالسلام؟
فقال : يا بنية ؛ سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : النظر إلى وجه علي عبادة (٢).
__________________
(١) الاستيعاب ٣ / ٤٤ ترجمة الامام أمير المؤمنين عليهالسلام.
(٢) ابن المغازلي في المناقب : ٢٠٦ و ٢٤٤ وما بعدها ، الخوارزمي في المناقب : ٣٦١ ح ٣٧٣ ، فرائد السمطين ١ / ١٨١ ، مستدرك الحاكم ٣ / ١٤١ و ١٤٢ ، حلية الاولياء ٥ / ٥٨ و ٢ / ١٨٣ ، بحار الانوار ٣٨ / ٢٠٠ باب ٦٤.