وما أسخاه وما أعظمه حيث أعرض عن الدنيا وزخرفها ، ونسى الأهل والولد ، وسعى إلى الشهادة جاهداً صابراً محتسباً ، وبذل كلّ غالٍ ونفيس في سبيل الدفاع عن حريم إمامه وأخيه الحسين عليهالسلام و «كمال الجود بذل الموجود» (١).
كان الامام أمير المؤمنين عليهالسلام يرعى ولده العباس في طفولته ، وكان يوسعه تقبيلاً.
يقول المؤرخون : إنّه أجلسه في حجره فشمر عن ساعديه فجعل الامام يقبلها ، وهو غارق في البكاء ، فبهرت أم البنين ، وراحت تقول للامام : ما يبكيك؟
فأجابها الامام بصوت خافت حزين النبرات : «نظرت إلى هذين الكفين وتذكرت ما يجري عليهما ...».
وسارعت أم البنين بلهفة قائلة : وماذا يجري عليهما؟
فأجابها الامام بنبرات مليئة بالأسى والحزن قائلاً : إنهما يقطعان من الزند ....
وكانت هذه الكلمات كالصاعقة على أم البنين ، فقد ذاب قلبها ، وسارعت وهي مذهولة قائلة لماذا يقطعان؟
وأخبرها الامام عليهالسلام بأنهما إنّما يقطعان في نصرة الاسلام والذبّ عن أخيه حامي شريعة الله ، ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأجهشت أم البنين في البكاء ، وشاركها من كان معها من النساء لوعتها وحزنها.
وخلدت أم البنين إلى الصبر ، وحمدت الله ـ تعالى ـ في أن يكون ولدها فداءً لسبط رسول الله صلىاللهعليهوآله وريحانته (٢).
فبشر سيد الأوصياء بمكانة ولدها العزيز عند الله ـ جلّ شأنه ـ وما حباه عن يديه
__________________
(١) تذكرة الشهداء : ٢٤٣.
(٢) العباس رائد الكرامة والفداء (لباقر شريف القرشي) : ٣٧ ، قمر بني هاشم للمقرم : ١٩.