الليلة ـ التي كان من المقرر أن يباشروا العمل في صبيحتها ـ في ما يرى النائم أبا الفضل العباس عليهالسلام وهو يقول له ـ بما معناه ـ : إنّي لا أرضى بتذهيب منائر روضتي ، فان منائر روضة سيدي الامام الحسين عليهالسلام مذهبّة ، ولا بد أن يكون ثمة فرق بين روضة العبد وروضة سيده.
وفي الصباح الباكر أقبل سادن الروضة العباسية المباركة وأخبرهم بما قاله أبو الفضل العباس عليهالسلام وأدى رسالته اليهم ، فكفوا عن العمل ، وانفقوا الذهب الذي جاءت به الملكة على الفقراء والمعوزين بحساب أبي الفضل العباس (١).
ويستفاد من هذه القصة أمران :
الأول : إنّ أدب أبي الفضل العباس عليهالسلام ووفائه لأخيه الحسين عليهالسلام لم يكن مقصوراً على أيام حياته ، بل بقي كذلك حتى بعد شهادته ، علماً بأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
والثاني : إنّ الفقراء والمعوزين كانوا من الكثرة بمكان في ذلك الزمان ، وقد شملتهم أفضال أبي الفضل العباس عليهالسلام.
الشجاعة من أسمى صفات الرجولة ، وهي صفة الاعتدال التي يحدّها الجبن والتهور ، فالشجاع لا يخاف ولا يتهور فيتعدى على حقوق الآخرين ويتجاوز حدودهم ، والشجاع لا يقهر الآخرين تهوراً وظلماً ، وكل عمل دني غير إنساني يصدر من أحد إنّما يكون منشأه الجبن أو التهور ؛ لأن الشجاعة بمعناها الصحيح حدّ وسط ، وملكة نفسانية أكدت عليها التعاليم والآداب الدينية ، وهي منحة إلهية تنم عن قوة الشخصية وصلابتها وتماسكها أمام الأحداث ، فلا تفاض على كلّ أحد ، بل لا بد
__________________
(١) انظر الخصائص العباسية : ٢٢٩ في وفاء العباس عليهالسلام.