وبينهم العباس ابن أمير المؤمنين عليهالسلام ، وهو جاث على ركبتيه كالأسد على فريسته ، فخطب فيهم خطبة ما سمعتها إلّا من الحسين عليهالسلام ، مشتملة بالحمد والثناء لله والصلاة والسلام على النبي صلىاللهعليهوآله.
ثم قال في أخر خطبته : يا اخوتي وبني اخوتي وبني عمومتي إذا كان الصباح فما تقولون؟
فقالوا : الأمر اليك يرجع ونحن لا نتعدى لك قولك.
فقال العباس : إنّ هؤلاء ـ أعني الأصحاب ـ قوم غرباء ، والحمل الثقيل لا يقوم إلّا بأهله ، فاذا كان الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم ، نحن نقدمهم للموت لئلا يقول الناس : قدموا أصحابهم ، فلما قتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة.
فقامت بنو هاشم وسلّوا سيوفهم في وجه أخي العباس وقالوا : نحن على ما أنت عليه.
قالت زينب عليهاالسلام : فلما رأيت كثرة اجتماعهم وشدّة عزمهم وإظهار شيمتهم سكن قلبي وفرحت ... (١).
لقد قضى أبو الفضل العباس تلك الليلة في حراسة خيام الحسين عليهالسلام ، فأطبق بجلاله وشهامته على الأجواء ، حيث كانت ومضات سيفه البتار تسلب الليل سكونه ، وعجز العدو على كثرتهم تلك الليلة عن القيام بأي حركة ، بل سلب العباس النوم من عيونهم ، كيف لا وهو شبل أسد الله وربيب علي المرتضى؟!
وهكذا قضى الحسين وأصحابه تلك الليلة بالمناجاة ، ما بين قائم وقاعد ، وراكع وساجد ، ولهم في تلاوت القرآن دوي كدوي النحل ، وأخلدن بنات النبي وعقائل الوحي والوصي ، ومن معهن من الأطفال والصبية تلك الليلة إلى الاطمئنان والأمان ؛ لأن الجميع كانوا في حماية العباس وحراسته.
__________________
(١) معالي السبطين ١ / ٣٤٠.