وقال في الخلاف : حدّه مع عدم اتصال الصفوف ما يمنع عن مشاهدته والاقتداء بأفعاله (١) ، ونقل عن المبسوط جواز البُعد بثلاثمائة ذراع (٢) ، وكلاهما بعيدان.
وحدّده أبو الصلاح (٣) وابن زهرة (٤) بما لا يتخطّى ، لصحيحة زرارة المتقدّمة (٥) ، ولا ريب أنّه أحوط.
ثمّ اعلم أنّ الذي يظهر من مجموع الإطلاقات وخصوص صحيحة زرارة المتقدّمة أنّه تصحّ صلاة من أحرم بالصلاة في الصفّ الأخير قبل إحرام مَن في الصفّ الأوّل على الإطلاق ، ولا يعتبر ذلك التباعد حينئذٍ بسبب عدم كونهم مصلّين في هذه الحالة ، إذ الذي ظهر من عدم جواز التباعد وأقلّ ما يجوز منه على سبيل التسليم والمماشاة هو ما يتخطّى كما في الصحيحة ، وذلك كما أنه يكفي في الفاصل بين المأموم والإمام ، فهو يكفي أيضاً بين الصفّين كما نصّ عليه في هذه الصحيحة ، فليس هذا المأموم مندرجاً في عنوان من لا صلاة لهم ، ولم يظهر من الأخبار وكلام الأصحاب مانع من ذلك من غير جهة التباعد ، فلا وجه لتقييد الأخبار الدالّة على عموم الاقتداء بغير دليل.
وأما على قول المشهور من بناء ذلك على العرف وأنّ ما يُفهم من الإطلاقات هو الحجّة ، فالأمر أسهل ، لأنّه يصدق عليه حينئذٍ أنّه صلّى خلف الإمام ، وأنّه يصلّي خلفه في الصفّ الأخير ونحو ذلك مما هو مذكور في الأخبار.
وقال السيّد الفاضل في المدارك : فاعلم أنّه ينبغي للبعيد من الصفوف أن لا يحرم بالصلاة حتّى يحرم قبله من المتقدّم من يزول معه التباعد (٦).
__________________
(١) الخلاف ١ : ٥٥٩.
(٢) المبسوط ١ : ١٥٦.
(٣) الكافي في الفقه : ١٤٤.
(٤) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٠.
(٥) الفقيه ١ : ٢٥٣ ح ١١٤٤ ، التهذيب ٣ : ٥٢ ح ١٨٢ ، الوسائل ٥ : ٤٦٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٢ ح ٢.
(٦) المدارك ٤ : ٣٢٢.