وهو منهم خلط ، لأنّ السلام من مخترعات الشرع ، والتحيّة في الأصل مصدر حيّي يحيي بمعنى الإخبار عن الحياة ، ثمّ استعمل في الدعاء وطلب الحياة ، ثمّ قيل لكلّ دعاء ، وغلب في السلام (١).
وقيل : إنّه العطية ، وفرّع عليه وجوب العوض على المتّهب ، وهو منقول عن الشافعي (٢) ، وهو ضعيف.
وكيف كان فالظاهر من الآية هو السلام ، لأنّه نسخ تحيّة الجاهليّة ، والأصل براءة الذمّة عن وجوب كلّ تحيّة حتى تثبت بدليل ، والاحتياط في غير الصلاة عدم الترك مطلقاً.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم عن الصادقين عليهماالسلام أنّه السلام وغيره من البرّ (٣) وهو يستلزم وجوب ردّ مثل كلّ عطيّة وإحسان بعد حمل ردّها على أقرب مجازاته ، وهو ردّ مثله ليصحّ ردّ نفس الإحسان ، فضلاً عن وجوبه ، وهو باطل.
نعم وردّ في الروايات ما يدلّ على أنّ تسميت العاطس وردّه من التحيّة المذكورة في الآية (٤) ، وكذا الإكرام بمثل طاقة نرجس كما فعلتها جارية للحسن بن عليّ عليهالسلام وأعتقها في مقابلها (٥).
ولكن ضعف الروايتين وكونهما من تفسيرات البطون يوجب حملهما على الاستحباب.
وربّما يوجّه ما في تفسير عليّ بن إبراهيم بزيادة البرّ والإحسان على السلام (٦)
__________________
(١) المصباح المنير : ١٦٠.
(٢) التفسير الكبير للفخر الرازي ١٠ : ٢١٥. ولكن الوجوب منقول عن أبي حنيفة ، وانظر تفسير الجامع لأحكام القرآن ٥ : ٢٩٨.
(٣) تفسير القمّي ١ : ١٤٥ ، النساء : ٨٦.
(٤) الوسائل ٨ : ٤٦٠ أبواب أحكام العشرة ب ٥٨ ، النساء : ٨٦.
(٥) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٤ : ١٨ ، تفسير كنز الدقائق ٢ : ٥٥٤.
(٦) في «ح» : المسلم ، بدل السلام.