أهل المعرفة ، والحريّ بالعارف أن يجعل الأوّل من باب الشّهوة ، والأخر من باب الإرادة ، عكس ما هو مأنوس في طباع العامّة.
ونظير ذلك : المحبّ المشتاق إلى لقاء محبوب عظيم رفيع الشأن غاية الاشتياق المتدنّس بالوسخ والقذر المتلبّس بالثياب الخبيثة المنتنة المنفّرة ، فهو مع أنّه لا يطيق المفارقة ويقلّ اصطباره عن القرار ، يرجو طول زمان المفارقة بمقدار إزالة الأوساخ ، وأخذ الأُهبة للقاء المحبوب على وجه يليق به.
ونظير الأخر : مطلوبية طول الشتاء للزراع مع تحمّل الشدائد فيه ، لأجل زيادة المحصول ، وإلى ذلك أُشير في كلمات أهل العصمة عليهمالسلام : «بقية العمر نفيسة لا ثمن لها» (١) و «الدنيا مزرعة الآخرة» (٢) ونحو ذلك.
الرابع : يستحبّ وضع جنازة الرجل على الأرض مما يلي رجلي القبر ، والمرأة مما تلي القبلة وأن ينقله إلى شفير القبر بعد وضعه قريباً منه بدفعات ثلاث. والأخبار الدالّة على وضعه قريباً من القبر بذراعين أو ثلاثة أو نحو ذلك ليأخذ أُهبته ، وأن لا يفدح بالميّت القبر ؛ كثيرة (٣).
وأمّا استحباب الدفعات الثلاث ، فيدلّ عليه ما رواه الصدوق في العلل قال : وفي حديث آخر : «إذا أتيت بالميّت القبر فلا تفدح به القبر ، فإنّ للقبر أهوالاً عظيمة ، وتعوّذ من هول المطلع ، ولكن ضعه قرب شفير القبر واصبر عليه هُنيئة ، ثمّ قدّمه قليلاً ، واصبر عليه ليأخذ أُهبته ، ثمّ قدّمه إلى شفير القبر» (٤).
ويستحبّ أن يرسل الرجل إلى القبر سابقاً برأسه من قِبَل الرجلين ، والمرأة
__________________
(١) ورد مضمونه في البحار ٦ : ١٣٨ ح ٤٦.
(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٦٧ ح ٦٦.
(٣) انظر الوسائل ٢ : ٨٣٧ أبواب الدفن ب ١٦.
(٤) علل الشرائع : ٣٠٦ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٨٣٨ أبواب الدفن ب ١٦ ح ٦.