وإنما جاز وقوع علامة رفع الفعل بعد فاعله ، أعني الواو والياء والألف ، لأن الضمير المرفوع المتصل كالجزء ، وخاصّة إذا كان على حرف ، ولا سيّما إذا كانت تلك الحروف من حروف المدّ واللين ، فالكلمة معها : كمنصور ، ومسكين وعمّار ، وسقوط النون في الجزم ظاهر ، لكونه علامة الرفع ، وكذا في النصب ، لأن علامة الرفع لا تكون في حالة النصب ، إلّا أن الرفع في الواحد ، زال مع الناصب ، وجاء في موضعه الفتح ، وفي الأمثلة الخمسة ، زال الرفع لا إلى بدل ، كما كان البدل في الأسماء الستة ، لأن حروف العلة يبدل بعضها ببعض في الإعراب لكونها متولدة من حركات الإعراب القائم بعضها مقام بعض ، فصار النصب في الأمثلة الخمسة ، إذن ، في صورة الجزم ؛ وتحذف هذه النونات الخمس ، مع نوني التوكيد. أمّا عند من قال : الفعل معهما مبني ، فظاهر ، وأما عند من قال بإعراب الفعل معهما فلاجتماع النونات ، فيكون الإعراب معهما مقدرا ، كما في : قاض ، وتكسر النون بعد الألف غالبا ، لأن الساكن إذا حرّك فالكسر أولى.
وقرئ في الشواذ (١) : (أَتِعدانني ...) (٢) ، وتفتح بعد الواو والياء ، حملا على نون الجمع في الاسم ، وندر حذفها لا للأشياء المذكورة نظما ، ونثرا ، قال :
٦١٥ ـ أبيت أسري وتبيتي تدلكي |
|
شعرك بالعنبر والمسك الذكي (٣) |
قوله : «والمعتل بالواو والياء : بالضمة تقديرا» ، استثقلت الضمة على الواو والياء بعد الضمة والكسرة ، ولم تستثقل الفتحة بعدهما لخفتها ، وربما يظهر ، في الضرورة :
الرفع في الواو والياء ، كما يظهر في الاسم جرّ الياء ورفعها ، قال :
٦١٦ ـ ما إن رأيت ولا أرى في مدتي |
|
كجوارى يلعبن في الصحراء (٤) |
ويقدّر ، لأجل الضرورة كثيرا ، نصب الياء والواو ، نحو قوله :
__________________
(١) قرأ بها جماعة منهم الحسن وشيبة.
(٢) من الآية ١٧ سورة الأحقاف.
(٣) هذا الشاهد لا يعرف قائله ، ونقله البغدادي عن ابن جني وهو في الخصائص ج ١ ص ٣٨٨.
(٤) شرحه البغدادي ثم قال : انه مع كثرة تداوله في كتب النحو واللغة لم أقف على قائله.