هذا ما قيل ، وينبغي أن تعرف أن جواز الجمع بين الأمرين في نحو : تعلّم الفقه أو النحو ، لم يفهم من «امّا» و «أو» ، بل ليستا إلّا لأحد الشيئين في كل موضع ، وإنما استفيدت الإباحة مما قبل العاطفة وما بعدها معا ، لأن تعلم العلم خير ، وزيادة الخير خير ؛ فدلالة «أو» و «إمّا» في الإباحة والتخيير ، والشك والإبهام والتفصيل على معنى أحد الشيئين أو الأشياء على السواء ، وهذه المعاني تعرض في الكلام ، لا من قبل «أو» ، و «إمّا» بل من قبل أشياء أخر ؛ فالشك من قبل جهل المتكلم وعدم قصده إلى التفصيل أو الإبهام ، والتفصيل من حيث قصده إلى ذلك ، والإباحة ، من حيث كون الجمع يحصل به فضيلة ، والتخيير من حيث لا يحصل به ذلك ؛
وأمّا في سائر أقسام الطلب ، فالاستفهام نحو : أزيد عندك أو عمرو ، لا يعرض فيه شيء من المعاني المذكورة ؛ وأمّا التمني نحو : ليت لي فرسا أو حمارا ، فالظاهر فيه جواز الجمع ، إذ في الغالب من العادات أنّ من يتمنى أحدهما لا ينكر حصولهما معا ؛ وأمّا التحضيض ، نحو : هلّا تتعلم الفقه أو النحو ، وهلّا تضرب زيدا أو عمرا ، والعرض نحو : ألا تتعلم الفقه أو النحو وألا تضرب زيدا أو عمرا ، فكالأمر ، في الإباحة والتخيير بحسب القرينة ؛ ولما كثر استعمال «أو» في الإباحة التي معناها جواز الجمع ، جاز استعمالها بمعنى الواو ، قال :
وكان سيّان أن لا يسرحوا غنما |
|
أو يسرحوه بها واغبرّت السّوح (١) ـ ٣٤٥ |
فإن «سيّان» بمعنى : مستويان ، وهو بين الشيئين ، وقال :
٨٨٣ ـ سيّان كسر رغيفه |
|
أو كسر عظم من عظامه (٢) |
وقد تجيء «أو» بمعنى «إلى» أو «إلّا» كما تقدّم في نواصب المضارع ، وإذا نفيت الخبر ، نحو : رأيت زيدا أو عمرا ، فإن أردت نفي رؤيتهما معا ، قلت : ما رأيت واحدا
__________________
(١) تقدم ذكره في الجزء الثاني آخر باب العطف ؛
(٢) هو من شعر محمد بن يحيى اليزيدي وهو من المحدثين يهجو شخصا بالبخل ، اسمه أبو المقاتل. وقبله :
استبق ودّ أبي المقا |
|
تل حين تدنو من طعامه ؛ |