بعد أن لم يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم؟ وهو معنى قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) أى فهلا تذكرون فتعلمون أنّه من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن قادر على إعادته بعد عدمه؟ انتهى. وقال آخر مثل ذلك ، إلا أنه فسر الحين بزمن التصوير فى الرحم ، فقال : المعنى ألم يأت على الناس حين من الدهر كانوا فيه نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى أن صاروا شيئا مذكورا. وكذا قال الزّجاج ، إلا أنه حمل الإنسان على آدم عليه الصلاة والسّلام ، فقال : المعنى ألم يأت على الانسان حين من الدهر كان فيه ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الروح؟ اه. وقال بعضهم : لا تكون هل للاستفهام التقريرى ، وإنما ذلك من خصائص الهمزة ، وليس كما قال ، وذكر جماعة من النحويين أن هل تكون بمنزلة إنّ فى إفادة التوكيد والتحقيق ، وحملوا على ذلك (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) وقدّروه جوابا للقسم ، وهو بعيد.
والدليل الثانى : قول سيبويه الذى شافه العرب وفهم مقاصدهم ، وقد مضى أن سيبويه لم يقل ذلك.
والثالث : دخول الهمزة عليها فى البيت ، والحرف لا يدخل على مثله فى المعنى ، وقد رأيت عن السيرافى أن الرواية الصحيحة «أم هل» وأم هذه منقطعة بمعنى بل ؛ فلا دليل ، وبتقدير ثبوت تلك الرواية فالبيت شاذّ ؛ فيمكن تخريجه على أنه من الجمع بين حرفين لمعنى (١) واحد على سبيل التوكيد ، كقوله :
*ولا للما بهم أبدا دواء* [٢٩٩]
بل الذى فى ذلك البيت أسهل ؛ لاختلاف اللفظين ، وكون أحدهما على حرفين فهو كقوله :
__________________
(١) فى نسخة «بمعنى واحد».